طالوت وجالوت ” جزء 5″

الدكرورى يكتب عن طالوت وجالوت ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

طالوت وجالوت ” جزء 5″

ونكمل الجزء الخامس مع طالوت وجالوت، وهكذا لما طلبوا آية تدل على اصطفاء الله لطالوت أجابهم إِلى ذلك “وقال لهم نبيهم إن آية ملكه” أي علامة ملكه واصطفائه عليكم ” أن يأتيكم التابوت” أي يرد الله إِليكم التابوت الذي أخذ منكم، وهو كما قال الزمخشري صندوق التوراة الذي كان نبى الله موسى عليه السلام إِذا قاتل قدَّمه فكانت تسكن نفوس بني إِسرائيل ولا يفرون فيقول تعالى ” فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة” أى في التابوت السكون والطمأنينة والوقار وفيه أيضا بقية من آثار آل موسى وآل هارون وهي عصا موسى وثيابه وبعض الألواح التي كتبت فيها التوراة تحمله الملائكة، وهنا قال ابن عباس رضى الله عنهما.

جاءت الملائكة تحمل التابوت بين السماء والأرض حتى وضعته بين يدي طالوت والناس ينظرون ” إن فى ذلك لآية إن كنتم مؤمنين” أي إِن في نزول التابوت لعلامة واضحة أن الله تعالى اختاره ليكون ملكا عليكم إِن كنتم مؤمنين بالله واليوم الآخر، ” فلما فصل طالوت بالجنود” أي خرج بالجيش وانفصل عن بيت المقدس وجاوزه وكانوا ثمانين ألفا أخذ بهم في أرضٍ قفرة فأصابهم حر وعطش شديد ” قال إن الله مبتليكم بنهر” أي مختبركم بنهر وهو نهر الشريعة المشهور بين الأردن وفلسطين ” فمن شرب منه فليس منى” أي من شرب منه فلا يصحبنى، وأراد بذلك أن يختبر إِرادتهم وطاعتهم قبل أن يخوض بهم غمار الحرب ” ومن لم يطعمه فإنه منى”

أي من لم يشرب منه ولم يذقه فإِنه من جندي الذين يقاتلون معي “إلا من أغنرف غرفة بيده” أى لكن من اغترف قليلا من الماء ليبلَّ عطشه، وينقع غلته فلا بأس بذلك، فأذن لهم برشفة من الماء تذهب بالعطش، “فشربوا منه إلا قليلا منهم” أي شرب الجيش منه إِلا فئة قليلة صبرت على العطش، وهنا قال السدي، شرب منه ستة وسبعون ألفا وتبقى منه أربعة آلاف “فلما جاوزه هو الذين آمنوا معه” أى لما اجتاز النهر مع الذين صبروا على العطش والتعب ورأوا كثرة عدوهم اعتراهم الخوف فقال فريق منهم ” قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده” أى لا قدرة لنا على قتال الأعداء مع قائد جيشهم جالوت فنحن قلة وهم كثرة كاثرة ” قال الذسن يظنون أنهم ملاقوا الله”

أي قال الذين يعتقدون بلقاء الله وهم الصفوة الأخيار والعلماء الأبرار من أتباع طالوت “كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ” أى كثيرا ما غلبت الجماعة القليلة الجماعة الكثيرة بإِرادة الله ومشيئته، فليس النصر عن كثرة العدد وإِنما النصر من عند الله تعالى “والله مع الصابرين” أي معهم بالحفظ والرعاية والتأييد ومن كان الله معه فهو منصور بحول الله عز وجل، “ولما برزوا لجالوت وجنوده” أي ظهروا في الفضاء المتسع وجها لوجه أمام ذلك الجيش الجرار جيش جالوت المدرّب على الحروب “قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا” دعوا الله ضارعين إِليه بثلاث دعوات تفيد إِدراك أسباب النصر فقالوا أولا ربنا أفض علينا صبرا يعمنا في جمعنا وفي خاصة نفوسنا لنقوى على قتال أعدائك ” وثبت أقدامنا”

أي ثبتنا في ميدان الحرب ولا تجعل للفرار سبيلا إِلى قلوبنا وهي الدعوة الثانية ” وانصرنا على القوم الكافرين” أي انصرنا على من كفر بك وكذب رسلك وهم جالوت وجنوده وهي الدعوة الثالثة، فقال تعالى إِخبارا عن نتيجة هذه المعركة فقال ” فهزموهم بإذن الله ” أي هزموا جيش جالوت بنصر الله وتأييده إِجابة لدعائهم وانكسر عدوهم رغم كثرته ” وقتل داوود جالوت” أي وقتل داود وكان في جيش المؤمنين مع طالوت رأس الطغيان جالوت واندحر جيشه ” وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ” أي أعطى الله داود الملك والنبوة وعلمه ما يشاء من العلم النافع الذي أفاضه عليه، وهنا قال ابن كثير رحمه الله، كان طالوت قد وعده إِن قتل جالوت أن يزوجه ابنته ويشاطره نعمته، ويشركه في أمره.