صفاء الليثي تكتب..معجزات قرآنية تحققت في زمن النبوة..

صفاء الليثي تكتب..معجزات قرآنية تحققت في زمن النبوة..

من المعجزات القرآن الغيبية، التي تحققت في زمن النبوة، نصر الله المسلمين على المشركين العرب في غزوة بدر، وتحديد وقته بأنه بعد بضع سنين من نزول أول سورة الروم، ووقت غلبة الروم للفرس في أدنى الأرض بفلسطين.

﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ لهم على مشركي العرب

 

قال الله تعالى (الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ( 6)) [الروم: 1 – 6]

 

في هذه الآيات الست وعد الله عز وجل يعد الذين آمنوا – وهو يومئذ قليل مستضعفون في الأرض – بالنصر على عدوهم مشركي قريش نصرا ما كان أحد من الذين (لَا يَعْلَمُونَ) كما وصفتهم الآيات، يحسبه ممكنا بأي معيار أردت، لولا أنه وعد من الله تعالى (لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ)

 

وحددت الآيات لهذا النصر علامة: ينتصر المسلمون:

يوم يبلغهم نبأ إنتصار الروم على الفرس

في بضع سنين من نزول الآيات،

 

وقد حددت الآيات أيضا مكان حدوث إنتصار الروم على الفرس بأنه في أدني الأرض،

قال تعالى (غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ) أي غلبوا في أدني الأرض وسيغلبون في أدنى الأرض أيضا بعد بضع سنين من نزول الآيات،

وأصل تسمية (الروم) يرجع لاصل معنى اسم مدينة (روما) بمعنى القوة وشدة البأس، وقوله تعالى (غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) يعنى غلب الشديد القوي، وسيغلب أيضا، يكرر مبدأ الغلب في شأنهم ثلاث مرات، فعل القائل المتثبت المتمكن مما يقول، ألا فسبح معي العليم الخبير، القائل بكل اللغات الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم، والحمد لله رب العالمين

 

ونزلت هذه الآيات بين السنة السادسة والسابعة قبل الهجرة، وهي تشير بالقطع إلى تلك الموقعة التي انهزم فيها الروم أمام الفرس في سنة 614م على أرض فلسطين (أدنى الأرض) بمعنى: الأسفل الواطئ منها، وهي أرض كنعان، يعنى الارض الوطيئة بالعبرية، وسبحان العليم الخبير العالم بكل اللغات،

وبعدها انهزم الروم أمام الفرس في سوريا وفي مصر وليبيا، وقبع الروم خلف أسوار القصطنطينية ولم يخروجوا منها إلا في سنة 622هـ ، خرج منها هرقل بجيشه لمناجزة الفرس، ودارت المعارك بينهما بين كر وفر، واستعادوا القدس منهم في أواخر عام 623م أو أوائل 624م، قبيل انتصار المسلمين في بدر (إبريل 624م)

 

وغير مقصود من ذكر المعارك بين الفرس والروم وتحديد مكان إنتصارهم،

إلا هذه النبوءة وحدها،

وفهمها بانتصار الروم على الفرس

  • المتزامن مع انتصار يحرزه

المؤمنون فيفرحون به –

فهما محددا في المكان والزمان:

في أدنى الأرض،

وفي بضع سنين.

 

والحدثان منفصلان كل الانفصال

في المكان

وفي المقدمات

وفي النتائج،

 

فلم تكن بين أطراف الصراع

بين (النبي صل الله عليه وسلم ومن معه والمشركين)

وبين (الفرس والروم) أية تحالفات،

ولم تكن مكة والمدينة داخلتين في استراتيجية الحرب بين الفرس والروم،

وإنما هما نبوءتان منفصلتين،

تجمع بينهما نبوءة ثالثة هي التنبوء بتزامن تحقق النبواءتين الأولى والثانية،

والنبوءة بنصر الله تعالى للمؤمنين على المشركين في غد قريب لا يخلوا القرآن من مثلها قبل سورة الروم وبعدها،

قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]

 

وآيات سورة الروم توقيت موعد هذا النصر على الجزم والتاكيد (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) وتنبأت بتزامن وقوع حدثين منبتي الصلة والاسباب،

الاول (انتصار الروم على الفرس في بضع سنين)، والثاني (انتصار المسلمين على مشركي قريش في بدر)،

فالتنبوء به يوم نزلت هذه الآيات، هو والأول في وقت واحد، تنبوء بالمحال في منطق الناس خبراء وغير خبراء،

 

تقول الآيات (يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ) يعنى ينتصر المؤمنون يوم يبلغهم انتصار الروم على الفرس، وقد حدث فأي إعجاز هذا، وأي علم هذا.

 

والوحيد الذي فهم الآيات على وجهها يوم نزلت هو الصادق المصدوق، النبي محمد ﷺ، دل على ذلك استنجازه ﷺ يوم بدر ما وعده الله تعالى من النصر في هذه الآيات، وأكب ﷺ في الدعاء حتى سقط رداءه يقول: «اللهم نصرك الذي وعدتني»،

وجاء النصر الذي كان فاتحة نصر يحرزه المسلمون من بعد، وصدق الله، وصدق رسوله ﷺ

وإنما لم يفسرها النبي ﷺ لصحابته رضي الله عنهم وقت نزولها على وجه التزامن بين نصر الروم على الفرس ونصر المؤمنون على المشركين،

لحكمة بالغة :

وهي أن المسلمين لو فهموا النبوءة وقتها على وجهها وبتوقيتها يوم نزلت لتهاونوا في مجاهدة قريش ولقعدوا يتسقطون أنباء المعارك بين الروم والفرس ينتظر المسلمون يوم أن ينهزم الفرس،

 

ولذلك اقتصر رهان أبي بكر الصديق على انتصار الروم على الفرس في بضع سنين فقط ،

وإنما فطن من المسلمين والمفسرين من فطن إلى جوهر الإعجاز في نبوءة هذه الآيات وأنها توقيت يوم إنتصار المسلمين يوم بدر إلا بعد يوم بدر،

 

وهذا هو لب الإعجاز في هذه الآيات، الذي يتحدى به القرآن منكري الوحي عليه.

 

هذه هي النبوءة التي ربطت بين انتصار الروم على الفرس في أدنى الأرض وبين انتصار الذين آمنوا في بدر أي بين الممكن والمستحيل في منطق الناس، هي نبوءة بغيب محض ، لا يستطيعها إلا علام الغيوب، فسبحان عالم الغيب لا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول

وغزوة بدر الكبرى، ومعركتها، أشهر معارك التاريخ الإسلامي رغم صغر حجمها

إشترك فيها (1300) مقاتل من الجانبين

ولم تزد عدد ساعاتها عن 4-5 ساعات

وتعتبر بلا شك أعظم انتصارات الاسلام

تكشف لنا عن جوانب من العبقرية المحمدية

ومن أسباب نصر بدر

قال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ } [آل عمران: 123]

فقد ثبتوا على منهج الله فنصرهم الله وهم قلة أذلة

أعزهم إيمانهم، وبه نصروا على الكثرة