صفاء الليثي تكتب:قمة ألاسكا 2025: هل تنهي أو تجمّد صراعات أوكرانيا وسوريا؟

صفاء الليثي تكتب:قمة ألاسكا 2025: هل تنهي أو تجمّد صراعات أوكرانيا وسوريا؟

في مشهد سياسي عالمي مضطرب، تتجه أنظار المحللين والساسة إلى ألاسكا، حيث من المقرر أن يلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في 15 أغسطس 2025.

القمة، التي تأتي في ظل توترات دولية مستمرة، تحمل آمالًا وتخوفات بشأن قدرتها على حل أزمات معقدة في كل من أوكرانيا وسوريا.

بينما تؤكد الأجندة الرسمية على أهمية الملف الأوكراني، يظل مصير الأزمة السورية معلقاً على هامش هذه المحادثات الثنائية.

ملف أوكرانيا: هل من تسوية جزئية؟

تتصدر الأزمة الأوكرانية قائمة أولويات القمة، وهو ما يعكس الأهمية الاستراتيجية للصراع وتأثيره على الأمن الأوروبي.

من المتوقع أن يطرح الجانبان مقترحات تتعلق بـتبادل أراضٍ جزئي، ووقف إطلاق نار مرحلي، بالإضافة إلى آليات مراقبة دولية. هذه المقترحات، وإن كانت تبدو خطوات إيجابية، تواجه تحديات كبيرة.

أي اتفاق نهائي يتطلب موافقة الحكومة الأوكرانية وحلفائها الغربيين، والذين يرفضون أي تنازلات تمس السيادة الأوكرانية.

الخبراء يرجحون أن القمة قد تسفر عن اتفاقات جزئية أو تفاهمات تقنية تساهم في تجميد خطوط المواجهة، بدلاً من حل شامل.

هذا السيناريو قد يؤدي إلى “جمود” الصراع، مما يمنح الطرفين فرصة لالتقاط الأنفاس، لكنه لن يضع حداً نهائياً للأزمة. من جهة أخرى، تسعى روسيا عبر هذه المفاوضات إلى تحقيق شرعية دولية للوضع القائم على الأرض، وإزالة بعض العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، في حين تسعى واشنطن إلى احتواء الصراع ووقف تمدده.

سوريا: ملف هامشي قد يغير قواعد اللعبة

على الرغم من أن سوريا ليست المحور الرسمي للقمة، فإن الوضع على الأرض يجعل من مناقشتها أمرًا لا مفر منه.

تسيطر روسيا والولايات المتحدة على مناطق نفوذ حيوية، مما يجعل أي تنسيق بينهما ذا أهمية قصوى.

هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة للتعامل مع الملف السوري:

* مشاورات تنسيقية حول الوجود العسكري: هذا هو السيناريو الأكثر ترجيحًا. يمكن للرئيسين مناقشة مناطق النفوذ، وتنسيق العمليات العسكرية لتفادي أي احتكاك غير مقصود، خاصة في شمال شرق سوريا. أي تفاهم هنا قد يغير من موازين القوى على الأرض، وربما يؤثر على مستقبل القوات الكردية والتركية في المنطقة.

* تفاهمات تقنية لمكافحة الإرهاب: قد تتفق القوتان على تبادل المعلومات الاستخباراتية بشكل محدود لمكافحة الجماعات الإرهابية.

هذا النوع من الاتفاقات التقنية يمكن أن يكون مقدمة لأي حل سياسي أوسع، لكنه يظل محصورًا في إطار ضيق.

* حل سياسي شامل: هذا السيناريو هو الأقل ترجيحًا. لا يمكن لقمة ثنائية أن تضع حلًا سياسيًا شاملاً للأزمة السورية دون مشاركة الأطراف الإقليمية والدولية الرئيسية مثل إيران وتركيا والأمم المتحدة. أي اتفاق من هذا النوع سيكون أشبه بـ”محاولة فرض حل” من قبل القوتين العظميين، وهو ما قد يواجه رفضًا واسعًا.

دوافع الطرفين والقيود المفروضة

كل من ترامب وبوتين لديه دوافعه الخاصة لعقد هذه القمة.

ترامب، الذي يسعى لإظهار قدرته على التفاوض المباشر مع الخصوم، قد يرى في القمة فرصة لتحقيق “انتصار دبلوماسي”. في المقابل، يسعى بوتين إلى ترسيخ مكانة روسيا كقوة عظمى لا يمكن تجاوزها في حل الأزمات الدولية، بالإضافة إلى تخفيف الضغط الاقتصادي المفروض على بلاده.

ومع ذلك، تواجه القمة قيوداً وعقبات كبيرة.

أبرزها هو غياب الأطراف الرئيسية المتأثرة، مثل أوكرانيا وسوريا وإيران وتركيا، عن طاولة المفاوضات.

كما أن الضغوط السياسية الداخلية في الولايات المتحدة وروسيا قد تحد من قدرة الرئيسين على تقديم تنازلات كبيرة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن أي حلول تُفرض على الدول، دون موافقتها، ستواجه رفضاً من المجتمع الدولي وتهدد مبدأ سيادة الدول.

التأثير المحتمل على المنطقة والعالم

في أوكرانيا: قد يؤدي أي اتفاق جزئي إلى تجميد الصراع، وهو ما قد يوفر فترة من الهدوء النسبي، لكنه لن ينهي التوترات بشكل كامل. وقد يكون هذا الاتفاق بداية لمفاوضات أوسع نطاقاً في المستقبل.

في سوريا: أي تفاهم ثنائي قد يغير موازين النفوذ على الأرض ويؤثر على مستقبل مناطق النفوذ المختلفة. لكنه لن يضمن حلاً سياسياً شاملاً دون عملية متعددة الأطراف تحت إشراف دولي.

توصيات للمراقبين والمتابعين

لتحليل نتائج القمة بشكل دقيق، ينبغي على المراقبين التركيز على عدة نقاط:

نصوص الاتفاقات: يجب فحص نصوص أي اتفاقات صادرة عن القمة، مع الانتباه إلى شروطها وشرط مشاركة الأطراف المتأثرة.

الاتفاقات التقنية: قد تكون الاتفاقات التقنية، مثل تبادل المعلومات أو إجراءات نزع التصعيد، هي المؤشر الحقيقي للتعاون المستقبلي بين البلدين.

بداية وليست نهاية: يجب النظر إلى أي حلول مُعلنة على أنها بداية مفاوضات وليست حكماً نهائياً، لأن الحلول الحقيقية تتطلب وقتاً ومشاركة أطراف متعددة.

الخلاصة:

قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين قد تكون بداية لمرحلة جديدة من التفاهمات الثنائية، لكنها لن تكون حلاً سحرياً لأزمات معقدة مثل أوكرانيا وسوريا. القمة قد تنتج تسويات محددة أو تفاهمات تقنية، لكن الحلول الشاملة تظل رهناً لعملية متعددة الأطراف لا يمكن للقاء ثنائي واحد أن يحل محلها.