أهمية دراسة الحديث الشريف ” جزء 10″

الدكرورى يكتب عن أهمية دراسة الحديث الشريف ” جزء 10″

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

أهمية دراسة الحديث الشريف ” جزء 10″

ونكمل الجزء العاشر مع أهمية دراسة الحديث الشريف، وذلك لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابتها، ولم ينه عن ذلك، ولم يأمر بمحو ما كتب منها، ولعمل الصحابة على جمعها وتدوينها، كما جمعوا القرآن الكريم ودونوه في المصاحف، ولعمل الخلفاء والأمراء على نشرها في الأقطار، إذ إن في ذلك صيانتها، ووصولها إلى المسلمين في مختلف بلادهم، وفي مستقبل أيامهم سليمة متواترة مقطوعا بصحتها، حتى لا يكون العمل بها اتباعا للظن، وقفوا لما لا يعلم، وقد قال الله تعالى ” وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا ” وقال تعالى ” ولا تقف ما ليس به علم ” وقد أقرّ النبي صلى الله عليه وسلم رواية الحديث بالمعنى، فشاعت وانتشرت.

ومع الرواية بالمعنى لا يؤمن أن يقع من الراوي من غير قصد تغيير فيما سمع، بالزيادة أو بالنقص، أو بالغلط في الفهم أو بالتبديل، كما لا يؤمن أن يكون الراوي مصيبا في فهمه، واعيا لكل ما صاحب الحديث من ظروف وأحوال روعيت في شرع ما دل عليه من حكم، دون أن يكون في اللفظ ما يدل عليه، اكتفاء بدلالة الحال، فيروي الرواة الحديث مطلقا، في حين أنه صدر مقيدا بما دل عليه الحال، أو مقيدا في حين أنه قد صدر مطلقا لم يراع فيه الراوي ما صحبه من أمارات تدل على إطلاقه، وكثيرا ما تكون دلالة الحال عنصرا هاما في الدلالة والبيان، فإذا حدث شيء من ذلك وهو أمر قريب الاحتمال، لم يكن العمل بما دل عليه الحديث برواية راويه شرعا لله يجب اتباعه.

وعن هذه الشبهة ذهب بعض الناس إلى عدم وجوب العمل بخبر الآحاد، أو إلى عدم حجيته، وإن القرآن الكريم قد حوى أصول الدين، وكثيرا من قواعد الأحكام العامة، وكان صريحا في دلالته على بعضها مفصلا لها، كما كان مجملا في بيان بعضها الآخر لم يفصله أو مشيرا إليه، وذلك فيما حواه من أحكامه العامة، ودل عليه بما تضمنه من أصول كلية، تاركا تفصيل ذلك وبيانه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم وكان ما صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان ذلك ملحقا بالقرآن وفي منزلته، وكان دينا لله تجب طاعته، كما تجب طاعة القرآن، وكان له ما للقرآن من وجوب العمل به، وجوبا دائما غير منقطع، ولا مُنته بزمن مهما مضت الأعوام وتغيرت الأمور والأحوال.

وهل يستقيم مثل هذا القول، وقد أمر القرآن بإقامة الصلاة دون بيان لكيفيتها وأوقاتها وعدد ما فرضه الله منها، وكذلك أمر بإيتاء الزكاة دون بيان لمقدارها وبيان لما تجب فيه من الأموال وبيان لأوقاتها، وأمر بالحج ولم يبين كيفيته ولا زمنه، وهكذا مما أمر الله به، فهل يرى من يذهب هذا المذهب أن الصلاة المفروضة التي فرضها القرآن هي مطلق دعاء، أو مطلق ركوع أو سجود، وأن فعل ذلك يجزئ عما أمر به القرآن من صلاة؟ أو أن الزكاة المفروضة هي إخراج أية صدقة في أي وقت مهما وأيّا كان مقدارها ونوعها؟ وأن الحج المفروض، هو مجرد التوجه إلى البيت الحرام؟ وهل يرى ذلك وفيه هدم للدين وقواعده والخروج على ما أجمع عليه المسلمون؟

وما أحسن ما قال الشافعي رحمه الله تعالى”أمّا قولهم لو كان الدين في حاجة إلى السنة لتكفل الله بحفظها، كما تكفّل بحفظ القرآن، فيرده أن الله سبحانه وتعالى إنما تكفل بحفظ ما أنزله من الذكر والسنة، وقد صدرت من النبي صلى الله عليه وسلم بيانا للقرآن أوحى بها إليه، بدليل قوله تعالى ” وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحى يوحى، علمه شديد القوى ” وكانت لذلك من الذكر وتابعة له محفوظة بكفالة الله سبحانه وتعالى، وكان ذلك مما دلت عليه هذه الآية، فإن المراد بالذكر فيها شرع الله ودينه، قرآنا كان أو سنة، ويدل على ذلك قوله تعالى ” فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون “أي اسألوا أهل العلم بشريعة الله ودينه، وقد صدق الله وعده فحفظ سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما حفظ كتابه، بما هيّأ لها ممن حفظها، وتناقلها، ودارسها، وميز صحيحها من سقيمها ودخيلها، فأصبحت بذلك مدروسة محفوظة مدونة في مصادرها.