المدمن دمر عائلته وبيته| الأم رفضت زواج ابنها فحاول قتلها
كانت أسرة لا ينقصها شيء، «أم» هي القدوة وقد تجسدت في أستاذة تُعلم الصغار العلم حتى يسيرون على طريق المعرفة ويخرجون إلى العالم وهم في أتم النضج تربيةً وتعليمًا، ورب البيت لا يقل عنها درجةً في العطاء والتضحية، وأبناء تعددت نجاحاتهم لتُكمل المشهد وتزيد من درجة إشادة الكل بالبيت وأهله، لكنها الأيام وابتلاءات القدر وحدها من تُبدل كل شيء في طرفة عين، وبين هذا وذاك تحولات ربما يُرجعها البعض إلى الحسد، وقد ينسبها الناس إلى رفقاء السوء، بيد أن الأعين التي كانت تشيد بالأسرة وسيرتها كانت أكثرها شاهدةً على جريمة سفك أصغر أفراد ذاك البيت الهاديء لـ دماء شقيقه الأكبر، تحت أعين واستغاثات والدتهما. وإلى التفاصيل.
في آخر سنوات القرن الماضي وبداية القرن الواحد والعشرون، وبينما شوارع المدينة هادئة تفيض وتتسع ولا يملؤها أهلها وسكانها، كان الكل يعرف الأستاذة الفاضلة التي تُخرج للناس أجيالًا عامًا بعد عام من تلاميذ وتلميذات المرحلة الابتدائية، تُعلمهم العلم وتحرص على صفات الرسالة السامية التي تحمل لواءها، فهي التي تؤكد على التربية قبل التعليم، وكان ما تفعله امتداد لجيل عريق وعظيم من أولئك الذين عُرف العلم بهم بين أطياف لا تُعد ولا تحصى من أبناء المدينة ومن صاروا أباءًا وأمهات خلال السنوات التالية.
كان بيت وأسرة الأستاذة بمثابة الأساس للصورة الطيبة التي عرفها بها الجميع، فهي التي أنعم الله عليها بحُسن الاختيار ورزقها ورزق بها زوجها ليؤسسا معًا واحدة من الأسر الطيبة، وحين رزقهما الله بالبنين كانوا من أطيب الناس وأحسنهم خُلقًا، ومرت السنوات عامًا بعد عام ليكبر الأبناء دون افتعال أية أخطاء مع أصدقائهم أو الجيران، وسط إشادة هي أقل ما قد توصف به الأسرة وأهلها، لكن الطامة الكبرى كانت في مشهد الختام.
طريق الشيطان
نضج الأبناء إلى الحد الذي فرق بين طفولتهم وعلمهم وبين المراهقة والمسؤولية، كلًا حسب سنه وأفعاله، بيد أن الابتلاء الأعظم كان أولئك الذين ربطت أواصر الصداقة بينهم وبين الابن الأكبر «عبدالرحمن»، ذاك الفتى الذي كان آيةً في الطيبة ودماثة الخُلق، لكنه لم يكن أكثر من ثمرة طيبة وقعت بحظٍ سيء لتُحاط بالثمار السيئة العطبة التي أفسدتها وجعلت منها مضربًا لتبدل الحال.
بعد التزامه وانضباطه وحصوله على أعلى الدرجات العلمية متفوقًا على أقرانه في واحدة من الكليات الجامعية التي يحلم بها الملايين، تغير فجأة وتبدلت أحواله، وكأن قدر الأسرة وابتلاءهم الأكبر أن أصدقاء السوء سحبوا أعين الابن الكبير لطريق الإدمان، ويومًا بعد الآخر وجرعة تلي سابقتها تبدلت أحوال «عبدالرحمن» ليتجرأ ويعلو صوته مرة بعد الأخرى على والدته.
على النقيض كان الابن الأصغر «عمر» هادئًا كحال شقيقه وباقي أفراد الأسرة، طيبًا لا تغادر لسانه كلمة قد تجرح صغيرًا أو كبيرًا، وطيبًا قد يتنافس الناس على شهادتهم بدماثة خلقه كما كانوا يفعلون مع باقي أفراد الأسرة، وكان الفتى كحال من هم في مثل سنه وحظه في سنوات تخبط الثانوية العامة، يجاهد بحضور دروس العلم داخل المدرسة وخارجها لتحصيل أكبر قدر من المذاكرة وحفظ ما يساعد حفظه وفهم مواد العلم حتى يلتحق بواحدة من كليات القمة.
هروب الأم
جرعة وخلاف بدلوا أخلاق الفتى «عبدالرحمن» ليُهدد والدته بالقتل؛ ذاك ما حدث صبيحة يومٍ هو المفصلي في تاريخ الأسرة وأفرادها، فبحسب بعض المقربين من الأسرة كان الابن يود الارتباط بفتاة يعرفها، لكن والدته كانت قد قررت رفضها فكرة الارتباط ولو قليلًا حتى يعود الفتى من طريق الإدمان الذي سلكه قبل فترة غيرت كل ما فيه، حتى سمحت له نفسه بأن تعرف وكانت هذه المرة الأخيرة تلك من علو صوته على والدته، استل سلاحًا أبيض (مطواة) لوح بها في وجه من أنجبته وعلمته وأحبته أكثر من نفسها، وكان التهديد والمشهد غريبًا على السيدة التي لم يحتمل قلبها الضعيف تحول حال فلذة كبدها، وهرعت الأم إلى الشارع هربًا من بطش ابنها وسلاحه.
طعنة موت
تصادفت عودة الابن الأصغر من درس تعليمي ليتحول المشهد؛ فلم يحتمل «عمر» ما رأته عيناه من استغاثة والدته وعيناها ترتعدان وهي تنظر إلى شقيقه الأكبر وهو يلوح بـ «مطواة» ويُهددها، حينها سقطت الدنيا في أعين الصغير وأمسك الشقيقان في بعضهما البعض وسقطا أرضًا قاتلًا ومقتولًا، فالسلاح قد زارت شفرته الحاده جسد صاحبه لترديه قتيلًا، ومن هو بالطعنة كان الابن الأصغر الذي لم تحتمل أعصابه أهل المنطقة وجيرانهم الذين يعرفونهم ويشيدون بهم وهم يشاهدون أمه تُهان على يد شقيقه، ليسقط أرضًا هو الآخر وسط هلع وسكون مميت سطر على أعين الأم وهي تذرف دموعها حسرةً على مصيبتها في ولديها.
بلاغ وجثة
البداية كانت بتلقي الأجهزة الأمنية في مديرية أمن الشرقية، إخطارًا يفيد بشأن ما تبلغ لـ شرطة النجدة بتعدي شاب على شقيقه بسلاح أبيض في الطريق العام وسط المجاورة الخامسة عشر التابعة لنطاق ودائرة قسم شرطة أول العاشر من رمضان.
على الفور، انتقلت قوة من رجال الشرطة في قسم أول العاشر من رمضان، يقودهم الضابط كريم العمري، رئيس المباحث، حيث تبين من التحريات والمعاينة الأولية مقتل الشاب «عبدالرحمن م ع» حاصل على درجة البكالوريوس، ويقيم رفقة أسرته في المجاورة السكنية محل البلاغ، على يد شقيقه الأصغر «عمر» الطالب في المرحلة الثانوية العامة.
تحريات
التحريات أفادت بأن المجني عليه كان يُهدد والدته بسلاح أبيض (مطواة) جراء خلافات أسرية تعود لسلوك الفتى طريق الإدمان ومعرفة رفقاء السوء، فضلًا عن سعيه إلى الارتباط بإحدى الفتيات دون موافقة والدته؛ إذ هرعت الأم من بطش ابنها هربًا إلى الشارع، في الوقت الذي تصادف خلاله عودة الابن الأصغر «عمر» من درس خصوصي في إحدى مواد الثانوية العامة، لينتهي الأمر بتدخل الصغير وإفلات السلاح من أيدي شقيقه الأكبر ليسكن جسد الأخير بطعنة نافذة أودت بحياته.
جرى ضبط المتهم وسلاح الجريمة، فيما تحرر عن ذلك محضر بالواقعة في قسم شرطة أول العاشر من رمضان، وبالعرض على النيابة العامة قررت نقل جثمان المجني عليه إلى مشرحة مستشفى الأحرار التعليمي في مدينة الزقازيق وانتداب أحد الأطباء الشرعيين لإجراء الصفة التشريحية على الجثمان لبيان سبب الوفاة وكيفية حدوثها، وصرحت بالدفن عقب الانتهاء من الإجراءات القانونية اللازمة، وطلبت تحريات المباحث حول الواقعة وملابساتها وكيفية حدوثها، قبل أن تأمر بحبس المتهم على ذمة التحقيقات بتهمة قتل شقيقه.