#السودان .. تعثر الهدنة وسباق التسليح يهدد بتصعيد عسكري

#السودان .. تعثر الهدنة وسباق التسليح يهدد بتصعيد عسكري

كانت الآمال معلقة على الهدنة الإنسانية التي دعت لها الرباعية الدولية، في محاولة لإنهاء المعاناة الإنسانية والقتل والتشريد الذي استمر لأكثر من عامين ونصف في السودان. لكن سقوط الفاشر قلب الطاولة على هذه الآمال، ما يطرح تساؤلات حول مستقبل المفاوضات والجهود الدولية لإنهاء الصراع.

 

تقرير _ التغيير

 

وأدى سقوط الفاشر في يد قوات الدعم السريع، في أواخر أكتوبر الماضي، إلى تصاعد المطالبات المحلية والدولية بإنهاء الحرب. وقد شملت هذه المطالبات إدانات واسعة لقوات الدعم السريع بسبب الانتهاكات التي ترتكبها وتجاهلها للقرارات والمناشدات الدولية المتعلقة بحماية المدنيين ووقف توسع رقعة الحرب.

 

في هذا السياق، أصدرت عدد من الأحزاب السياسية السودانية بيانات متتالية خلال اليومين الماضيين، تدين فيها الانتهاكات التي شهدتها الفاشر. وتطالب هذه الأحزاب طرفي الحرب، الجيش وقوات الدعم السريع، بوقف فوري لإطلاق النار والانخراط في مسار سياسي يعيد الأمن والوحدة للبلاد وينهي معاناة الشعب السوداني.

 

هدنة إنسانية

 

وفي 12 سبتمبر الماضي، اقترحت الرباعية الدولية هدنة إنسانية تهدف إلى تسهيل إيصال المساعدات وتهيئة مناخ سياسي لوقف إطلاق النار الدائم في السودان.

 

والخميس الماضي، أعلنت قوات الدعم السريع موافقتها على الانضمام إلى الهدنة الإنسانية التي قالت إن دول الرباعية ، المؤلفة من الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات، هي التي اقترحتها.لكنها لم تلزم بها وظلت تهاجم مناطق سيطرة الجيش بالطيران المسيّر طوال الأيام الماضية، علاوة على هجومها على الفرقة 22 مشاة بابنوسة آخر معاقل الجيش في ولاية غرب كردفان إلى جانب اللواء 190 في هجليج التي تم استهدافها مساء أمس الخميس مما أدى خروجه عن الخدمة بحسب مصادر تحدثت لـ«التغيير».

 

وفي المقابل، تمسك الجيش بشروط، من بينها رفض أي تسوية سياسية مع قوات الدعم السريع تساوي بين دولة ذات سيادة ومليشيا متمردة .

 

ويأتي تمسك الجيش بالقتال رغم خسارته إلى كامل إقليم دارفور و90% من ولاية غرب كردفان الغنية بالنفط والمحاصيل النقدية.

 

الدفع بالمقاتلين

 

في ظل التصعيد العسكري المتزايد، دفع طرفا النزاع في السودان بآلاف الجنود إلى محاور القتال في إقليم كردفان، مما يهدد بتصعيد المواجهات في الأيام القادمة، في مدينة بابنوسة التي شهدت نزوحًا كبيرًا للسكان بسبب الاشتباكات المتكررة، قد تشهد معارك شرسة لم يسبق لها مثيل.

 

وقالت غرفة طوارئ بابنوسة أن المدينة أصبحت خالية من السكان بسبب الاشتباكات المستمرة، مما يزيد من التحديات الإنسانية في المنطقة.

 

ولم يأخذا طرفي النزاع في السودان بعين الاعتبار الأوضاع الإنسانية المتدهورة التي يعيشها المدنيون، حيث يعاني الكثيرون من المجاعة وسوء التغذية، و إن التصعيد العسكري الذي يتبعه طرفا الحرب حاليًا لن يؤدي إلا إلى مزيد من المعاناة للمدنيين، دون أن يقدم حلاً للمشكلة الأساسية.

 

والخميس الماضي،حذر توم فليتشر، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، من تدهور الوضع الإنساني في السودان، مشيرًا إلى أن نحو ثلثي السكان باتوا بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية.

 

وقال فليتشر من دارفور إن الأوضاع مروعة بالنسبة للمدنيين ، مؤكدًا أن النزاع يعيق وصول المساعدات إلى المحتاجين.

 

انتقال القتال للأبيض

 

في ظل التطورات الأخيرة، يبدي المراقبون قلقًا من احتمال انتقال المواجهات العسكرية إلى مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، التي تستضيف آلاف النازحين من مختلف مدن كردفان. ويعتقدون أن الدعم السريع قد يواصل تقدمه نحو المدينة بعد أن بسط سيطرته على إقليم دارفور، ولم يتبق أمامه سوى مدينة بابنوسة في ولاية غرب كردفان.

 

ويحذر المراقبون من خطر وقوع مجازر في الأبيض إذا ما سيطر الدعم السريع عليها، مشيرين إلى ما حدث في الفاشر وبارا.

 

يقول الخبير العسكري عوض إبراهيم لـ«التغيير»، إن سيطرة الدعم السريع على الفاشر، آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور الحدودي مع عدد من الدول، يمكنها من تأمين الإمدادات العسكرية واللوجستية بكل سهولة ويسر، والتوجه نحو إقليم كردفان لحسم المعارك المؤجلة مع الجيش.

 

وأشار إلى أن سقوط الفاشر يُعد خسارة معنوية كبيرة للجيش والقوة المشتركة المتحالفة معه، بعد أن فقدت حاضرتها في الفاشر، لكنها ما زالت متواجدة في دارفور ويمكن أن توجه ضربات لمناطق سيطرة قوات الدعم السريع ، بغرض تشتيتها لمنعها من التحرك نحو إقليم كردفان.

 

واستبعد الخبير العسكري أن تهاجم الدعم السريع مدينة الأبيض، حاضرة شمال كردفان، لوجود خطوط إمداد مفتوحة بين النيل الأبيض وشمال كردفان. وأشار إلى أن الدعم السريع ستعمل في المرحلة المقبلة على قطع الطريق بين كوستي والأبيض، ليتم حصار المدينة من جميع الاتجاهات.

 

وشدد الخبير العسكري على أن الطرفين لن يستطيعا حسم المعركة عبر انتصار ساحق، لأن الحروب تنتهي بالحل التفاوضي وليس فوهات البنادق. وقال إن الطرفين يبحثان عن موقف تفاوضي أفضل. وأضاف أن الجيش لن يدخل التفاوض بعد سقوط الفاشر إلا بعد استرداد بارا والخوي والنهود.

 

التدخل الخارجي

 

من جهته، يرى المختص في قضايا السلام، ياسر محمد، أن استمرار سباق التسليح بين طرفي النزاع في السودان، الجيش والدعم السريع، يؤدي إلى تدهور الوضع الإنساني وزيادة التدخل الخارجي.

 

وقال ياسر في حديثه لـ«التغيير» إن سباق التسليح بين طرفي النزاع في السودان قد يؤدي إلى عدة سيناريوهات محتملة، منها استمرار الحرب الأهلية، حيث يحاول كل طرف تعزيز قدراته العسكرية لتحقيق النصر. وأضاف أن استمرار النزاع يزيد من التدخل الإقليمي والدولي في النزاع، حيث تحاول الدول المجاورة والقوى العالمية التأثير على النزاع وحماية مصالحها.

 

وأشار إلى أن تدهور الوضع الإنساني يتعرض المدنيون للخطر ويزيد عدد النازحين واللاجئين. وتخوف من أن يؤدي سباق التسليح إلى انهيار الدولة السودانية، حيث يفقد الجيش وقوات الدعم السريع السيطرة على الأراضي والموارد.

 

ويرى ياسر محمد أن الحل يكمن في التوصل إلى هدنة إنسانية تقود إلى وقف إطلاق النار لعدة أشهر، ومن ثم الانخراط في محادثات سلام وحوار سوداني سوداني يناقش جذور الأزمة منذ الاستقلال وحتى اليوم، مع تقديم كل من ارتكب جرمًا في حق الشعب السوداني للعدالة، حتى لا تعود الحرب من جديد بشكل أشرس وأعنف.

 

سيناريو التصعيد

 

وفي المقابل، يقول الصحفي والمحلل السياسي طاهر المعتصم إن عدم وجود إرادة للتوصل إلى هدنة قد يدخل السودان في سيناريو التصعيد العسكري في البلاد. وأضاف المعتصم في حديثه لـ«التغيير» أن التصعيد العسكري سيكون غير مسبوق وسيؤدي إلى معاناة الكثير من المدنيين.

 

وأشار إلى أن استمرار الانتهاكات في المناطق التي تشهد اشتباكات بين طرفي النزاع، كما حدث في الفاشر وبارا والخرطوم والجزيرة، يدل على أن السودان مقبل على مفترق طرق بهذا التصعيد. وأوضح أن التصعيد هو مجرد وسيلة لصياغة أمر واقع جديد في السودان.

 

وأكد المعتصم وجود اتصالات عدة لوقف التصعيد وتجنيب السودان السيناريوهات القادمة، معربًا عن الأمل في التوصل إلى هدنة يعقبها وقف إطلاق نار، مع التشديد على منع أي طرف خارجي من تقديم الدعم الذي يؤجج النزاع.

 

في ظل الظروف الحرجة التي يمر بها السودان، يأمل السكان أن يتحلى طرفا النزاع بالمسؤولية ويوقفا القتال، وأن يلعب المجتمع الدولي دورًا مهمًا في الضغط من أجل مفاوضات جادة لتحقيق السلام والاستقرار.