الدكرورى يكتب عن الأمة الإسلامية والحفاظ على هويتها ” جزء 9″
بقلم / محمـــد الدكـــروى
ونكمل الجزء التاسع مع الأمة الإسلامية والحفاظ على هويتها، ولما كانت الهُوية بهذه المكانة وهذا التأثير في حياة الأمم، فقد أولاها الإسلام اهتماما كبيرا، شمل هذا الاهتمام جوهر الهُوية، وكذلك مظهرها، وإن قضية المحافظة على الهوية الإسلامية، هي محافظة على الدين الإسلامي، وإن ما يشاهد اليوم في بعض المجتمعات الإسلامية من ضعف في التمسك بالهوية الإسلامية، مرحلة لن تطول بإذن الله تعالى، ولذلك يجب على الجميع التعاون المثمر في تحقيق تعزيز هويتنا في نفوس ناشئتنا وشبابنا، ومن أهم المنطلقات لذلك أنه يجب العمل على إعداد مشروع استراتيجي، وفق خطط مدروسة بين المجتمعات الإسلامية المختلفة للتعاون الجاد فيما بينهم للمحافظة على الهوية الإسلامية.
ووضع السبل الملائمة لوضعها موضع التنفيذ، كما يجب أن تتولي وسائط التربية المهمة، ابتداء من الأسرة، والمدرسة، والجامعة، والمسجد، والإعلام بوسائله المختلفة، المحافظة على الهوية الإسلامية، وترسيخها، والاعتزاز بها من خلال بيان مكانتها، وصحة، وصدق أصولها، وكذلك إيضاح خطر، وسلبيات تجاهلها، والانسلاخ منها على المجتمع، والأمة الإسلامية، وضبط عدم شيوع الأسماء غير الإسلامية، سواء كانت أسماء لأشخاص، أو محلات تجارية، أو أماكن، أو شوارع عامة، وإزالة كل الأسماء الأجنبية، واستبدالها بأسماء إسلامية، والعناية بتوجيه الشباب المبتعثين للعمل، أو للدراسة في الخارج، وإقناعهم بالأساليب المناسبة، بأهمية المحافظة على هويتهم.
والعمل على تهيئة محاضن تربوية إسلامية مناسبة لأسرهم، وأطفالهم حتى لا تحدث فجوة بينهم، وبين مجتمعاتهم عند عودتهم، فيصعب علاجها، وكما يجب على القدوات، أو الأسماء المشهورة في المجتمعات الإسلامية عدم الظهور في وسائل الإعلام المختلفة أمام العامة، وهم متأثرون بالثقافات الأجنبية، لأن هذا مدعاة لتقليدهم من الناشئة والشباب، وأن هناك قلة من أبناء جلدتنا الذين تأثروا بالثقافات الأخرى، وأصبحوا دعاة إلى التغريب، وإلى الانسلاخ من الهوية الإسلامية، فيجب محاورتهم ونصحهم بالأساليب المناسبة من خلال نخبة من طلبة العلم المتميزين، وفي الوقت نفسه بيان خطرهم، وفساد طرحهم للعامة حتى لا يتأثروا بهم، وأيضا التحذير الشديد.
من مخططات أعداء الإسلام والمسلمين الذين يحرصون على طمس الهوية الإسلامية، وعلى تشويه صورة الإسلام، وعلى إثارة النزاعات والفتن بين المجتمعات الإسلامية من خلال القنوات الفضائية، والشبكة العنكبوتية، وغيرها، والتصدي لهم بكل الوسائل الممكنة، وفي إطار المحافظة على هذه الهوية ظاهرا وباطنا، ولبّا وقشرة فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله “إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم” وقوله “لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله” فانظر إلى مدى حرص الإسلام على هوية الأمة، وسياجها الداخلي والخارجي، سواء في المظهر واللباس، أو الحركة والسلوك، أو القول والأدب.
ولقد أدرك اليهود مدى حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على هوية الأمة وتميزها، حتى قال قائلهم “ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه” ولقد ضربت الدول الغربية في العصر الحديث أعظم الأمثلة في المحافظة على هويتها، ولقد اتخذت هذه الدول من العولمة المزعومة ستارا لنشر ثقافتها، وصبغ دول العالم بصبغتها، وفي مقابل ذلك حرصت على ألا تعطي فرصة للهويات الأخرى أن تتحرك، أو تثبت وجودها، ولقد كان النموذج الأمريكي هو النموذج الأمثل في ضرب أعظم مثال في فرض هويته، واحتكار الهويات الأخرى، بل ومحاولة غزو الهويات الأخرى في عقر دارها، ولم يقتصر هذا النهم الأمريكي في فرض هويته على عالمنا الإسلامي، بل لقد امتد حتى شمل دولا غربية ونصرانية.