طالوت وجالوت ” جزء 1″

الدكرورى يكتب عن طالوت وجالوت ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

طالوت وجالوت ” جزء 1″

إن فضل الله تعالى على العالمين عظيم وعظيم جدا، إذ لو لم يُشرع قتال الظلمة والمشركين لفسدت الأرض باستعلاء الكفر وانتشار الظلم، والله تعالى لا يرضى بالظلم، بل شرع دفع الظلم ومقاومة الظالمين لمنع ظلمهم، وتقليم أظفارهم، والأخذ على أيديهم كيلا يتمادوا في ظلمهم فيعُمّ الفساد في الأرض، ولا بد من مقاومة الفساد وإزالته من أجل إصلاح الحياة لجميع البشر مؤمنين وغير مؤمنين، إنها سنة المدافعة، فماذا لو لم يتم قتل جالوت هذا الكافر العنيد المتجبر الظالم؟ إنه سيفتن المؤمنين، وسينشر الفساد في الأرض، ثم ماذا لو لم يقاتل المسلمون في بدر، ويصدوا جيش قريش الذي تحرك متوعدا، وخرج بطرا ورئاء الناس ليصد عن سبيل الله .

ويقتل رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه؟ وماذا يفعل المسلمون وقد علموا أن أبا جهل قد خرج إليهم متوعدا ومقسما ألا يرجع حتى يقتل محمدا ويقيم حفلا ساهرا ترقص من حوله الراقصات، وتتمايل عليه المغنيات، ويشرب الخمر ويروح في سكرة لا يفيق بعدها حتى لا يحسّ بألم القتل وقطع الرأس في نهاية محتومة مقدرة؟ فهل يترك المسلمون المشركين يحصدونهم حصدا ويدخلون المدينة فاتحين رافعين أعلام هُبل واللات والعزى؟ وهل يستسلم المسلمون للذبح؟ أم يقاتلون دفاعا عن عقيدتهم ودينهم وأرضهم؛ ليكون الدين لله وكيلا تكون فتنة؟ كان هذا هو أمر الله وإرادته النافذة، وإن ملخص قصة طالوت وجالوت كما وردت في ألقرآن ألكريم في سورة ألبقره.

قال الله تعالى” ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنآئنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم والله عليم بالظالمين، وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم، وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لاية لكم إن كنتم مؤمنين، فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين، ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنآ أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولـكن الله ذو فضل على العالمين، تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين”

فإن بعد وفاة نبى الله موسى عليه السلام، تعاقب على بني إسرائيل عدد من الأنبياء، وبعضهم كانوا ملوكا عليهم، وقد أهمل بنو إسرائيل التمسك بتعاليم التوراة، وعبدوا الأصنام، وأخذ منهم التابوت الذي تركه لهم نبى الله موسى عليه السلام فيه سكينة من الله عز وجل، وألواح التوراة وبعض الأشياء الأخرى، من بعض القبائل، وساءت أحوالهم، وكان بينهم نبي طلبوا منه أن يسأل الله أن يبعث لهم ملكا لكي يقاتلوا بدلا مما يعانوه من إهانة وتشريد، فسألهم النبي إن كانوا حقا سيقاتلون، فقالوا له نعم سنقاتل، وكيف لا نقاتل وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا، لكن كعادتهم لم يصدقوا مع الله عز وجل، وهنا علمان على شخصين أحدهما كافر والآخر مؤمن.

وهما طالوت وجالوت، وقد ذكرهما الله عز وجل في سورة البقرة، ولم يكرر ذكرهما في أي سورة أخرى، والله تبارك وتعالى أحيانا يريد أن ينبه على الأشخاص وأحيانا يريد أن ينبه على الأحداث، فإذا أراد أن ينبه على الأحداث أغفل ذكر الأشخاص ولو كانوا عظماء، وإذا أراد أن ينبه على الشخص ذكر الشخص ولو لم يكن عظيما، وإذا أراد أن ينبه على الأمرين ذكر الله عز وجل الشخص والحدث، وهنا قال الله تعالى ” ألم تر إلى الملإ من بنى إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبى لهم” وقوله تعالى “لنبي” هو نكرة، ولم يذكر اسم ذلك النبى لأنه ليس المقصود حوار أولئك القوم مع ذلك النبى، وإنما المقصود الحدث التاريخي، وبنو إسرائيل مكثوا في أرض التيه أربعين عاما.