الملك العادل ذو القرنين “جزء 6”

الدكرورى يكتب عن الملك العادل ذو القرنين “جزء 6”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

الملك العادل ذو القرنين “جزء 6”

ونكمل الجزء السادس مع الملك العادل ذو القرنين، وقوله من آمن وعمل صالحا، يتبين لنا أن الظلم يعني هنا الشرك والعمل غير الصالح الذي يعد من ثمار شجرة الشرك المشؤومة، وعندما انتهى ذو القرنين من سفره إلى الغرب توجه إلى الشرق، حيث يقول الله عز وجل فى كتابه العزيز في ذلك “ثم أتبع سببا” أي استخدم الوسائل والإمكانات التي كانت بحوزته، وأما عن قوله تعالى “حتى إذا بلغ مطلع الشمس” وهنا رأى أنها “تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا” وفي اللفظ كناية عن أن حياة هؤلاء الناس بدائية جدا، ولا يملكون سوى القليل من الملابس التي لا تكفي لتغطية أبدانهم من الشمس، وأما بعض المفسرين فلم يستبعدوا افتقار هؤلاء الناس إلى المساكن التي تحميهم من الشمس.

وهناك احتمال آخر يطرحه البعض، ويرى أن يكون هؤلاء القوم في أرض صحراوية تفتقر للجبال والأشجار والملاجئ، وأن ليس في تلك الصحراء ما يمكن هؤلاء القوم من حماية أنفسهم من الشمس من غطاء أو غير ذلك وقد قيل فى ذلك أي أنهم عراة لا يتقون أشعتها أى الشمس، بأي لباس، وليس في أرضهم أي جبل أو شجر أو بناء، لأنها أرض رخوة لا يثبت عليها بناء مضافا إلى أنهم لم يعرفوا بناء البيوت ولا وضع الثياب على الأجساد ويقول تعالى “كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا” أي أن أمر ذي القرنين كما وصفناه في رفعة المكانة وبسطة الملك والسلطان النافذ على الشرق والغرب، مضافا إلى إحاطتنا ومعرفتنا بما معه من جند كثير، وعدة عديدة، وعلم غزير.

مما لم يحط به غير اللطيف الخبير، وتشير الآيات إلى أنه وصل إلى منطقة جبلية، وهناك وجد أناسا غير المجموعتين اللتين عثر عليهما في الشرق والغرب، كانوا على مستوى متدن من المدنية، لأن الكلام أحد أوضح علائم التمدن لدى البشر، لكن البعض احتمل أن جملة قوله تعالى “لا يكادون يفقهون قولا ” وهى لا تعني أنهم لم يكونوا يعرفون اللغات، بل كانوا لا يفهمون محتوى الكلام، أي كانوا متخلفين فكريا، وفى هذه الأثناء اغتنم هؤلاء القوم مجي‏ء ذي القرنين، لأنهم كانوا في عذاب شديد من قبل أعدائهم يأجوج ومأجوج، فعرضوا عليه أن يقيم لهم سدا في وجه يأجوج ومأجوج الذين يهاجمونهم من وراء الحاجزين، ويغيرون عليهم من ذلك الممر.

فيعيثون في أرضهم فسادا، ولا يقدرون على دفعهم وصدهم، وذلك في مقابل خراج من المال يجمعونه له من بينهم، وتبعا للمنهج الصالح الذي أعلنه ذلك الحاكم الصالح من مقاومة الفساد في الأرض، فقد رد عليهم عرضهم الذي عرضوه من المال والتطوع بإقامة السد، ورأى أن أيسر طريقة لإقامته هي ردم الممر بين الحاجزين الطبيعيين، فطلب إلى أولئك القوم المتخلفين أن يعينوه بقوتهم المادية والعضلية، حتى يقيم سدا يكون مانعا للقوم المفسدين من الاعتداء عليهم، وبالرغم من محاولة البعض المطابقة بين سد ذي القرنين وبين جدار الصين الذي لا يزال موجودا، ويبلغ طوله مئات الكيلومترات، إلا أن الواضح أن جدار الصين لا يدخل في بنائه الحديد ولا النحاس.

ومضافا إلى ذلك لا يقع في مضيق جبلي ضيق، بل هو جدار مبني من مواد البناء العادية، ويبلغ طول مئات الكيلومترات، وما زال موجودا حتى الآن، والبعض يرى في سد ذي القرنين أنه سد مأرب في اليمن، ولكن هذا السد برغم وقوعه في مضيق جبلي، إلا أنه أنشئ لمنع السيل ولتخزين المياه، ولم يدخل النحاس والحديد في بنائه، ولكن بالاستناد إلى شهادة العلماء وأهل الخبرة، فإن السد يقع في أرض القوقاز، بين بحر الخزر وهو بحر قزوين، والبحر الأسود، حيث توجد سلسلة جبلية كالجدار تفصل الشمال عن الجنوب، والمضيق الوحيد الذي يقع بين هذه الجبال الصخرية هو مضيق داريال، المعروف، ويشاهد فيه جدار حديدي أثري حتى الآن.