أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب “جزء 4”

الدكرورى يكتب عن أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب “جزء 4”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب “جزء 4”
ونكمل الجزء الرابع مع أم كلثوم بنت علي بن أبى طالب، وبعد هذه الرحلة الشاقة والعسيرة وبعد أن قدّمت تلك قافلة الحسين، كل ما لديها من تضحية في سبيل الله، تصل أم كلثوم معها إلى مدينة جدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتنظر إليها بحسرة ممزوجة بألم عميق وهي ترى البيوت خلت من رجالها وشبابها، ولم يطل العمر بالسيدة أم كلثوم بنت أمير المؤمنين بعد استشهاد أخوتها وبني عمومتها وأهل بيتها فقد توفيت بعد أربعة أشهر من فاجعة كربلاء الأليمة التي تركت في قلبها جرحا لا يشفى وندبا لا يزول وقرحا لا يندمل، وقال أبو عمر وتوفيت أم كلثوم، وابنها زيد في وقت واحد، وقد كان زيد أصيب في حرب كانت بين بني عدي ليلا.

كان قد خرج، ليُصلح بينهم، فضربه رجل منهم في الظلمة، فشجه، وصرعه، فعاش أياما ثم مات، وهو، وأمه في وقت واحد، وكانت فيهما سنتان فيما ذكروا لم يورث واحد منهما من صاحبه، لأنه لم يعرف أولهما موتا، وروى ابن عمر، أنه صلى على أم كلثوم بنت علي، وابنها زيد، وجعله مما يليه، وكبّر عليهما أربعا، وخلفه الحسن، والحسين ابنا عليّ، ومحمد بن الحنفيّة، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن جعفر، وقال نافع وُضعت جنازة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب امرأة عمر بن الخطاب، وابن لها يقال له زيد، والإمام يومئذ سعيد بن العاص، وبوفاة السيدة أم كلثوم بنت علي رضي الله عنها ينتهي حديثنا، أهم ما جاء في سيرتها أنها كانت جسرا غاليا

ربط بين قطبين هامين من أقطاب الإسلام، فعبرها تجسدت محبة عمر بن الخطاب لعلي حين طلب ابنته ورغب في مصاهرته، وتجسدت محبة علي لعمر حين زوجه ابنته ورحب بهذه المصاهرة، فلو لم يكن في حياة أم كلثوم غير هذه الحادثة الهامة لكفتنا، فما بالكم بما في حياتها من الصلاح والفلاح والتقوى والخير العميم، وعندما قبلت أم كلثوم بعمر زوجا بالتأكيد كانت تعلم فيه كل هذه الصفات، لكنها كانت تراها مزايا عظيمة، لا غرابة في هذا، فهي ابنة علي بن أبي طالب، تربت في كنفه على نفس الطبائع ونفس العقلية، لذا لم تضق يوما باستشعاره العظيم والدقيق والمرهف للمسؤولية، لم تنكر عليه خروجه في كل يوم لأزقة المدينة يتفقد أحوال رعيتة، بل كانت عونا لعمر رضى الله عنه، في كثير من الأحيان.

وكانت مشاعر هذه السيدة العظيمة أم كلثوم حين حدثت المجاعة في جزيرة العرب، بسبب جدب وقحط أصاب الناس فاشتد الجوع على الناس وماتت المواشي، حتى سمي ذلك العام بعام الرمادة، لأن الريح كانت تسفي ترابا كالرماد، في ذلك العام جيء لعمر بن الخطاب بخبز مفتوت بسمن، فكان عنده رجل بدوي فدعاه ليأكل معه، فجعل الرجل يتبع في اللقمة الدسم من وجه الصفحة فقال له عمر مداعبا كأنك تحب السمن والدسم فأجاب الرجل نعم يا أمير المؤمنين فوالله ما أكلت سمنا ولا زيتا منذ كذا وكذا إلى اليوم، فكان رد فعل أمير المؤمنين عمر، لقد حلف ألا يذوق لحما ولا سمنا حتى تنتهي المجاعة ويحيى الناس، وعندما عاتبه أحد المقربين في ذلك اليمين قال له كيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يمسسني ما مسهم.

وقد وفى أمير المؤمنين بيمينه ذلك، واكتفى بالزيت وظل عاما كاملا حتى تغير لونه إلى السواد وقد كان أبيض اللون، ولكن كيف كان موقف الزوجة الفتية أم كلثوم من هذا كله؟ فيروى أن ملك الروم كاتب أمير المؤمنين عمر وتقرب إليه ببعض الهدايا، فلما قدم البريد من ملك الروم إلى عمر أرادت الزوجة الصالحة أم كلثوم أن تشارك زوجها شيئا من مسؤوليات الخلافة ومهماتها، فأرسلت مع البريد إلى زوجة الملك قوارير من طيب، فلما وصلت هديتها إلى زوجة ملك الروم أرسلت بدورها عقدا فاخرا، عندما وصل العقد إلى يد أم كلثوم نظرت إليه بدهشة، وأدركت من فورها أن ذلك سيسوء زوجها، الذي يأبى على نفسه أن ينتفع من صلاته بالخلافة وعوائدها بشيء، ومع ذلك لم تخف ذلك عن زوجها، متأولة أنه من حقها وأن تشدده على نفسه لا ينبغي أن يطال أسرته.