زينب بنت علي بن أبى طالب ” جزء 2″

الدكرورى يكتب عن زينب بنت علي بن أبى طالب ” جزء 2″

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

زينب بنت علي بن أبى طالب ” جزء 2″

ونكمل الجزء الثانى مع زينب بنت علي بن أبى طالب، فيقول الجاحظ في البيان والتبيين إنها كانت تشبه أمها لطفا ورقة وتشبه أباها علما وتقى، ولما خرج الإمام الحسين رضى الله عنه في جهاد الغاصب الفاسد يزيد بن معاوية ، شاركته زينب في رحلته وقاسمته الجهاد، فكانت تثير حميّة الأبطال، وتشجع الضعفاء، وتخدم المقاتلين، وقد كانت أبلغ وأخطب وأشعر سيدة من أهل البيت خاصة، والنساء عامة في عصرها، ولما قتل الحسين وساقوها أسيرة مع السبايا، وقفت على ساحة المعركة، تقول يا محمداه، يا محمداه، هذا الحسين في العراء، مزمّل بالدماء، مقطع الأعضاء، يا محمداه، هذه بناتك سبايا، وذريتك قتلى، تسفي عليها الرياح، فلم تبقى عين إلا بكت، ولا قلب إلا وجف.

كما كان لها مواقفها الجريئة الخالدة مع ابن زياد ومع يزيد، وبها حمى الله فاطمة الصغرى بنت الحسين من السبي والتسري، وحمى الله عليّا الأصغر زين العابدين من القتل، فانتشرت به ذرية الإمام الحسين، واستمرت في الثورة على الفساد ولا تزال، ولقبت زينب بلقب بطلة كربلاء زينب، ولما أعادوها رضي الله عنها إلى المدينة المنورة بعد أن استبقَوا رأس الحسين بدمشق ليطوفوا به الآفاق، إرهابا للناس، أحسوا بخطرها الكبير على عرشهم، فاضطروها إلى الخروج، فأبت أن تخرج من المدينة إلا محمولة، ولكن جمهرة أهل البيت أقنعتها بالخروج، فاختارت مصر لما علمت من حب أهلها وواليها لأهل البيت، فدخلتها في أوائل شعبان سنة واحد وستون من الهجرة.

ومعها فاطمة وسكينة وعلي أبناء الحسين، واستقبلها أهل مصر في بلبيس بكاة معزّين، واحتملها والي مصر مسلمة بن مخلد الأنصاري، إلى داره بالحمراء القصوى عند بساتين الزهري، حي السيدة الآن، وكانت هذه المنطقة تسمى، قنطرة السباع، نسبة إلى القنطرة التي كانت على الخليج المصري وقتئذ، فأقامت بهذه الدار أقل من عام عابدة زاهدة تفقه الناس، وتفيض عليهم من أنوار النبوة، وشرائف المعرفة والبركات والأمداد، حيث توفيت في مساء الأحد الخامس عشر من رجب سنة اثنين وستون هجريه، ودفنت بمخدعها وحجرتها من دار مسلمة، التي أصبحت قبتها في مسجدها المعروف الآن

ولقبت السيدة زينب بالعديد من الألقاب، منها أم العزائم، لعزيمتها القوية في طاعة الله تعالى وتقواه.

وأم هاشم، لأنها كانت كريمة سخية كجدها هاشم وصاحبة الشورى ” لرجوع أبيها وأخوتها لها في الرأي و أم العواجز، لأن دارها كانت مأوى للعجزة والضعفاء ورئيسة الديوان لأنها لما رحلت إلى مصر كان وليها وعلماؤها يعقدون جلساتهم في دارها وتحت رئاستها، وقال عنها الإمام الحسين رضي الله عنه أنعم بك يا طاهرة حقا إنك من شجرة النبوة المباركة ومن معدن الرسالة الكريمة، وقد توفيت وهي على عصمة زوجها عبد الله بن جعفر بن أبى طالب، وأما قصة طلاقها منه فكذب من وضع النواصب خصوم أهل البيت، أو هي على أحسن الأحوال وهم واختلاط وتشويش على أهل البيت من المتمسلفة، وقد اختلف المؤرخون في تحديد سنة وفاتها.

وان كان الأرجح عند كثير من الباحثين أنها توفيت في سنة اثنين وستون هجريه، لكن ذهب آخرون إلى أن وفاتها سنة خمسه وستون هجريه، بالرغم من الاتفاق أن وفاتها كانت في يوم الخامس عشر من رجب، وذكر الكثير من المؤرخين وسير الأخبار بأنها توفيت ودفنت في دمشق، ورأي آخر على أنها دفنت في القاهرة مع انه لا يوجد أي كتاب مؤرخ لمزارات مصر يدل على وجود قبر لزينب في مصر، بل دلت كثيرا على قبر السيدة نفيسة مثل الإمام الشافعي الذي زار قبر السيدة نفيسة ويرجح البعض إلى ان قبر السيدة زينب في القاهرة هو قبر السيدة زينب بنت يحيى المتوج بن الحسن الأنور بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وذكر النسابة العبيدلي في أخبار الزينبيات.

على ما حكاه عنه مؤلف كتاب السيدة زينب أن زينب الكبرى بعد رجوعها من أسر بني أميّة إلى المدينة أخذت تؤلب الناس على يزيد بن معاوية، فخاف عمرو بن سعد الأشدق انتقاض الأمر، فكتب إلى يزيد بالحال، فأتاه كتاب يزيد يأمره بأن يفرّق بينها وبين الناس، فأمر الوالي بإخراجها من المدينة إلى حيث شاءت، فأبت الخروج من المدينة

وقالت لا أخرج وإن أهرقت دماؤنا، فقالت لها زينب بنت عقيل يا ابنة عمّاه قد صدقنا الله وعده وأورثنا الأرض نتبوأ منها حيث نشاء، فطيبي نفسا وقرّي عينا، وسيجزي الله الظالمين، أتريدين بعد هذا هوانا؟ ارحلي إلى بلد آمن، ثم اجتمع عليها نساء بني هاشم وتلطفن معها في الكلام، فاختارت مصر، وخرج معها من نساء بني هاشم فاطمة ابنة الحسين وسكينة، فدخلت مصر لأيام بقيت من ذي الحجة.

فاستقبلها الوالي مسلمة بن مخلد الأنصاري في جماعة معه، فأنزلها داره بالحمراء، فأقامت به أحد عشر شهرا وخمسة عشر يوما، وتوفيت عشية يوم الأحد لخمسة عشر يوما مضت من رجب سنة اثنتين وستين هجرية، ودفنت بمخدعها في دار مسلمة المستجدة بالحمراء القصوى، حيث بساتين عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري بالقاهرة، فيما تشير روايات أخرى إلى أن عبد الله بن جعفر الطيار رحل من المدينة، وانتقل مع زينب إلى ضيعة كان يمتلكها قرب دمشق في قرية اسمها راوية وقد توفيت زينب في هذه القرية ودفنت في المرقد المعروف باسمها والمنطقة معروفة الآن بالسيدة زينب وهي من ضواحي دمشق، وكان المسجد الزينبي الذي هو بيت أمير مصر مسلمة بن مخلد قائما على الخليج المصري.

عند قنطرة على الخليج كانت تسمى قنطرة السباع ، لأنها كانت مُزينة من جوانبها بسباع منحوتة من الحجر، ولما رُدم الجزء الذي عليه القنطرة من الخليج زالت القنطرة فاتسع الشارع، وظهر مسجد السيدة بجلاله وتوالت التجديدات عليه، وقد أنشئ هذا المسجد في العهد الأموي، وزاره كبار المؤرخين وأصحاب الرحلات.