نبي الله لوط عليه السلام ” جزء 4″

الدكرورى يكتب عن نبي الله لوط عليه السلام ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

نبي الله لوط عليه السلام ” جزء 4″

ونكمل الجزء الرابع مع نبي الله لوط عليه السلام، فيجتمعون عليه من كل حدب وصوب، ويسلبونه ما حمل ثم يتركونه يندب حظه ويبكي ضياع ماله، لا يردهم عن ذلك دين ولا يصدهم حياء ولا يتعظون لواعظ، ولا يستمعون لنصيحة من عاقل، وقد ابتدعوا فاحشة لم يسبقوا إلى ارتكابها من أحد من العالمين، وتعاطوا محرما ما كان يدور بخلد أحد اقترافه، فكانوا يأتون الذكران من العالمين، ويتركون ما خلق الله لهم من النساء فلا يقربوهن، وليتهم ستروا بليتهم أو حاولوا الخلاص من ثمارها والبعد عن شرها، ولكنهم كانوا يحملون الناس على مشايعتهم، ويدعونهم إلى الأخذ من قليبهم والقليب هو البئر، أي يعملون مثل عملهم، أو يشربون مما يشربون منه، وتمادوا في ضلالهم حتى فشت المنكرات بينهم وكثرت الموبقات بينهم، وأشربت قلوبهم حب الفاحشة.

ولما أصاب القوم ما أصابهم، واستحبوا الضلالة على الهدى، وآثروا الغواية على الرشد، واستحوذ عليهم الشيطان يستميلهم إلى المعاصي ويزين لهم الشهوات، أوحى الله عز وجل إلى لوط عليه السلام أن يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وينهاهم عن ارتكاب هذه الجرائم، فدعاهم وأعلن بينهم رسالته، ولكن آذانهم لم تسمع لقوله، وعيونهم عميت عن الحق، وقلوبهم غلقت فاندفعوا في شرورهم، واستمروا على فجورهم وتمادوا في طغيانهم، ولم يرتدعوا عن غيهم، بل حدثتهم نفوسهم الأمارة بالسوء، وسولت لهم عقولهم التي أضاعها العبث وتملكها الشر أن يخرجوا رسولهم من بين ظهرانيهم، فتوعدوه ومن معه بالإبعاد عن قريتهم، ولم يرتكب جرما إلا بعده عن مساوئهم، ولم يقترف إثما، إلا أنه تطهر من دنسهم ولم يسر في طريقهم ونأى عن قبائحهم.

ودعاهم إلى صراط الله المستقيم، ولما رأى منهم ميلا وابتعادا عن طاعة الله، خوفهم بأس الله وعذابه، فلم يأبهوا لتحذيره واستخفوا بوعيده، فألح عليهم بالعظات، وأنذرهم سوء العاقبة، ولكنهم لم يقلعوا عما كانوا فيه، بل ازدادوا تعلقا به ورغبة فيه، وتحدوه أن العذاب لن ينزل عليهم، وأن الله لن ينزل بهم ما يستحقون من عقاب، وبعد ذلك سأل لوط عليه السلام ربه أن ينصره على هؤلاء القوم المفسدين، وأن يوقع بهم العذاب الأليم، وطلب إليه أن يخزيهم على كفرهم وعنادهم ويعاقبهم على بغيهم وفجورهم، فهم الداء الوبيل الذي يخاف انتشاره، والعضو المريض الذي لابد من استئصاله، فإنهم عاثوا في الأرض فسادا، وصدوا عن سبيل الله، فاستجاب الله عز وجل دعاء لوط عليه السلام، فبعث ملائكته إلى هذه القرية الظالم أهلها، لينزلوا بهم ما يستحقون من عقاب.

فنزلوا أولا بدار إبراهيم عليه السلام، فحسبهم عابرى سبيل، فقدم لهم خير ما يقدم للأضياف، ولكن أيديهم لم تمتد إلى قراه، فنكرهم وأوجس منهم خيفة، قالوا لا تخافوا، ولم يزالوا بالمكان حتى بشروه بغلام عليم، ثم سألهم إبراهيم عليه السلام ما خطبكم أيها المرسلون؟ قالوا، إنا أرسلنا إلى قوم لوط الذين لم يستجيبوا لدعوته فكانوا من المجرمين، وسننزل بهم عذابا أليما وبأسا شديدا، فحزن نبى الله إبراهيم عليه السلام لذلك، وأخذ يجادلهم في قوم لوط، ويرجو تأخير البلاء وتأجيل وقوع العذاب، ولعله كان يأمل منهم الإنابة إلى الله والإقلاع عما يرتكبون من الذنوب والرجوع عما يقترفون من الفواحش، وقد يكون إبراهيم عليه السلام قد خاف أن يُمس لوط بأذى وهو مؤمن منكر لما يرتكبون، فهو لا يستحق العذاب، فأمره الملائكة أن يهون على نفسه.

وأخبروه أن لوطا لن يصيبه أذى ولن يمسه عذاب، وسيكون هو وأهله من الناجيين، إلا امرأته فإن هواها معهم ورأيها تبع لرأيهم، ثم ذهبت الملائكة إلى أرض سدوم في صورة شبان حسان، وفيما هم يهمون بدخول هذه القرية عرضت لهم جارية تستسقي الماء لأهلها، فسألوها أن تضيفهم، فأشفقت من قومها عليهم، واستضعفت نفسها عن حمايتهم، وأرادت أن تستنجد بأبيها في الدفاع عنهم، فأمهلتهم حتى تذهب إليه فتستشيره في أمرهم، وأتت أباها، فقالت يا أبتاه، أرادك فتيان على باب المدينة ما رأيت وجوه قوم قط أصبح من وجوههم، وأخاف أن يعلم بأمرهم قومك فيفضحونهم، وفي بعض الروايات أنهم وجدوا ابنة لوط عليه السلام فدلتهم على بيت والدها، فلما رآهم لوط عليه السلام دهش لهذه المفاجأة، فأخذ يسأل ابنته يسألها عن شأنهم.