نبي الله لوط عليه السلام ” جزء 5″

الدكرورى يكتب عن نبي الله لوط عليه السلام ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

نبي الله لوط عليه السلام ” جزء 5″

ونكمل الجزء الخامس مع نبي الله لوط عليه السلام، فلما رآهم لوط عليه السلام دهش لهذه المفاجأة، فأخذ يسأل ابنته يسألها عن شأنهم، ويستلهمها خير السبل التي ينتهجها، وأفضل الطرق التي يتبعها، ولعله قد تردد في السعي لاستقبالهم، وحار في قبول ضيافتهم، وحدثته نفسه أن يبعث إليهم بعذره، وأن يطلعهم على أمره، فيكفوه مدافعته لقومه ويتركوه وشأنه، ولكن دفعته المروءة فاستصغر هذه الصعاب، وخرج إليهم خفية، يريد أن لا يراه قومه ويحاول أن يصل إلى ضيوفه قبل أن يعترضوا طريقه ويصدوه عن سبيله، فقد حالوا بينه وبين العالمين، وأمروه أن لا يستضيف أحدا، فتسلل لوط عليه السلام خفية وسار حتى التقى بالملائكة، فاستقبلهم ببشره، وتلقاهم بوجهه، ثم دعاهم إلى بيته، ولكن الوساوس جاشت في نفسه، والمخاوف دبّت في قلبه.

فضاق ذرعا مخافة أن يعلم قومه بنزولهم عنده، فيهّبوا مسرعين إليه وهو ليس في منعة منهم، أو عصبية تمنعه من اعتدائهم، فلما دخل بهم داره مع كتمانه لأمرهم خوفا أن يتسرب إلى القوم خبرهم، إلا أن امرأته كانت تساير القوم في طريقتهم، فأفشت خبرهم، وأعلمت قومها بأمرهم، فجاؤوا إليه مسرعين، وأقبلوا عليه مستبشرين، وفزع لوط حين رأى القوم قد اجتمعوا يريدون الفاحشة ويرغبون في المنكر، فناشدهم تقوى الله، ودعاهم إلى ستر مخازيهم، والكف عن مساوئهم، ولكنهم جميعا فجرة سفهاء لم يستمعوا توسله ولم ينزلوا على إرادته، فأغلق الباب دونهم وحال بينهم وبين ما يشتهون، ثم أرشدهم إلى غشيان نسائهم اللاتي جعلهن الله حلالا لهم، وحذرهم من عاقبة فعلهم، ومع ذلك لم ينتهوا، بل ازدادوا خبثا وتشبثا بما عزموا عليه من الفاحشة.

وقالوا للوط عليه السلام إنك تعلم أنه ليس لنا في النساء من حاجة أو رغبة، وإنك لتعلم ما نريد، إن لوط عليه السلام ضاقت به السبل من إصرار قومه على فعل الفاحشة، وسدت أمامه أبواب الأمل، فأخذه الكرب، فأخذ يفكر كيف يخلص ضيوفه من مكر قومه فقال لو أن لي بكم قوة لاستطعت أن أمنع عدوانكم، وآمن شركم، وأقف في وجوهكم، ولو كنت في منعة وعزة لمنعت ولقومت معوجكم وألنت قناتكم، لكن القوم قد أعمتهم الضلالة، وأصروا على فاحشتهم، فغشيه الحزن، وتملكته ثورة من الغضب، وحين يئس من ردّهم، ولما رأى الملائكة ما هو فيه من الوجد والحزن ردوا لهفته وسكنوا روعه وقالوا يا لوط، إنا رسل ربك، جئنا لإنقاذك، ودفع العدوان عنك، فلن يصل هؤلاء الكفرة المفسدون إليك، وإنهم لمنهزمون، ثم إن القوم بعد ذلك تولاهم الفزع والرعب.

فتولوا هاربين، متوعدين لوطا بعد أن كشف الله عنه الغمة وأصبح لا يأبه لوعيدهم وتهديدهم، ثم أمره الملائكة أن يسري هو وأهله بقطع من الليل آي آخره، ويتركوا هذه القرية التي أذن الله عز وجل أن ينزل بهم العذاب، ثم نهوه أن يصطحب معه امرأته، فسيحل بها ما حل بالقوم لنفاقها ومشايعتها لهم، وأمروه أن يصبر ويثبت عند نزول العذاب بقومه، فلما خرج لوط وأهله وابتعد عن القرية جاءها أمر الله ونزل بها عذابه وزلزلت الأرض زلزالها، فصار عاليها سافلها، ثم غشيت بمطر من سجيل وهي الحجارة الصغيرة، فأصبحت ديارهم خاليه، وبيوتهم خاوية بما ظلموا وهنا يقول الحق سبحانه وتعالى ” إن فى ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين ” ولقد جاءت قصة نبى الله لوط عليه السلام مع قومه في عدة سور من القرآن الكريم.

ومنها سورة حيث يقول الله عز وجل فيها ” إن فى ذلك لآيات للمتوسمين ” وقيل المراد بها الفراسة، أي أهل الفراسة، والتي يقصد بها الاستدلال بهيئة الإنسان وأقواله وأشكاله وألوانه على أخلاقه وفضائله ورذائله، وقيل غير ذلك، وإن من أعظم جرائم قوم لوط عليه السلام، هو إتيان الرجال بدلا من النساء، وقطع الطريق وإتيانهم المنكر من الأقوال والأفعال في مجالسهم وتكذيب لوط عليه السلام الذي دعاهم إلى عبادة الله، وإلى الفضائل والأخلاق الفاضلة والأمور الطيبة بدلا مما كانوا فيه من الكفر والفساد والضلال والخبث، وهكذا كانت قصة نبي الله لوط عليه السلام مع قومه، الذين ابتدعوا فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من بني آدم، ألا وهي اللواط، وهو إتيان الذكران من العالمين، فكم في ممارسة اللواط من وقاحة، وانتكاس فطرة.