القدوة الحسنة ” جزء 6″

الدكرورى يتكلم عن القدوة الحسنة ” جزء 6″

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

القدوة الحسنة ” جزء 6″

ونكمل الجزء السادس مع القدوة الحسنة، وإن المسار الذي رسمه هؤلاء الرجال الأفذاذ في مدار التاريخ ببطولاتهم وبسالتهم وصلابتهم وتمسكهم بمبدئهم وعقيدتهم كان مسارا استثنائيا خاصا لا يتكرر كثيرا في دورة التاريخ، إنه ليس كالمسار الذي يكتبه أغلب المؤرخين عن أمجاد مزيفة وبطولات مزوّقة أضفوا عليها شعارات باطلة، ولكنه مسار ليس كمسار السلوك الخاضع لإرادة السلطة والذي تخصص فيه إمعات الرجال من الذين تابعوا السلطة من الوصوليين والمنتفعين والسماسرة والمرتزقة والوضاعين وغيرهم والذين تقود إرادتهم غير الواعية إرادة السلطة فينساقون لها بخضوع تام ويستجيبون لأمرها، ويسالمون من تسالم، ويحاربون من تحارب، ويحبون من تحب، ويبغضون من تبغض، فهم عبيد لها مهما بلغت تلك السلطة من الظلم والجور والفساد والطغيان.

ولكن المسار الذي سار عليه أولئك الرجال العظماء يختلف تماما مع هذا المسار، بل يجابهه ويعارضه ويقاطعه، إنه المسار الذي يختط نفسه بنفسه، إنه مسار الحقيقة الذي رسموه بإدراك كامل، ووعي تام، وصلابة لا تنثني، فوقفوا إلى جانب الحق وحاربوا الباطل ودافعوا عن الحقيقة ملبين نداء العقيدة تحت لواء البصيرة وهم على أعلى درجات اليقين، ولقد أخذ هؤلاء الرجال النادرون على عاتقهم مسؤولية مواصلة مسيرة الإسلام والسير على النهج المحمدي الأصيل المتمثل بوصي الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فظلوا أوفياء لبيعته بعد أن تابعوه في أرساء قواعد الإسلام ببطولاتهم وتضحياتهم، إنهم الآن في مهمة كبيرة ومسؤولية عظيمة بعد أن استقر الإسلام وأثبت قواعده، وهي مهمة الدفاع عنه ضد المنافقين، وهي مهمة لا تقل عن مهمتهم العظيمة.

في نشر الإسلام إن لم نقل أعظم منها، إنهم يرون الإسلام مهددا من قبل نفس أعدائه في الجاهلية بعد أن تزيّوا بزي الإسلام، ولم تفارق الجاهلية قلوبهم، ولنا القدوة الحسنة فى مصعب وهو أبو عبد الله مصعب بن عمير العبدري وهو صحابي بدري من السابقين إلى الإسلام، ومبعوث النبى صلى الله عليه وسلم، للدعوة إلى الإسلام في يثرب بعد بيعة العقبة الأولى، وحامل لواء المهاجرين في غزوتي بدر وأحد، وهو مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي بن كلاب القرشي، وقد نشأ مصعب في مكة شابا جميلا مترفا، وكان يرتدي أحسن الثياب، ويتعطر بأفضل العطور، وكان رقيق البشرة حسن اللمة ليس بالقصير ولا بالطويل، إلا أنه ما أن بلغت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، إلى الإسلام، حتى أسلم سرا في دار الأرقم خوفا من أمه.

وهى ام خناس بنت مالك بن المضرب العامرية وهى من قومه، فكان من السابقين إلى الإسلام، وقد بقى مصعب على تلك الحالة إلى أن أبصره عثمان بن طلحة يصلي، فأخبر قومه، فأخذوه وحبسوه، فلم يزل محبوسا إلى أن هاجر إلى الحبشة، ثم رجع مع المسلمين حين رجعوا، ثم بعثه النبي صلى الله عليه وسلم، بعد عودته مع نقباء الأنصار الاثنى عشر الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم، بيعة العقبة الأولى ليعلم من أسلم من أهل يثرب القرآن، ويدعوا للإسلام، ويصلي بهم، فنزل ضيفا على أسعد بن زرارة، وهو بذلك أول من هاجر إلى يثرب من المسلمين، وبعد الهجرة النبوية الشريفة، قد صاحب مصعب النبي صلى الله عليه وسلم، الذي آخى بينه وبين سعد بن أبي وقاص، وقيل أبي أيوب الأنصاري، وقيل ذكوان بن عبد قيس، وقد شهد مصعب مع النبي صلى الله عليه وسلم.

غزوة بدر وغزوة أحد، وكان فيهما حامل لواء المهاجرين، وقد قتل مصعب بن عمير في غزوة أحد وقد قتله ابن قمئة الليثي، حيث هاجمه ابن قمئة وهو يحمل اللواء، وضرب يد مصعب اليمنى فقطعها، فأخذ اللواء باليسرى فقطعها ابن قمئة، فضم مصعب اللواء بعضديه إلى صدره، فطعنه ابن قمئة برمح في صدره فقتله، ولم يترك مصعب عند مقتله إلا نمرة، وقد أرادوا تكفينه بها، فكانوا إذا غطوا رأسه بدت رجلاه، وإذا غطوا رجليه بدا رأسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” غطوا رأسه، واجعلوا على رجليه من الإذخر ” وتولى دفنه يومها أخوه أبو الروم بن عمير وعامر بن ربيعة وسويبط بن سعد، وكان عمر مصعب حين قُتل أربعون سنة أو يزيد، ولم يكن لمصعب سوى زوجة واحدة وهي حمنة بنت جحش، وله منها ابنة واحدة اسمها زينب، وكان قد زوّجها عبد الله بن عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة.