ماذا بعد؟:المحادثات النووية مع إيران تصدم بالواقع

ماذا بعد؟:المحادثات النووية مع إيران تصدم بالواقع..

ايران و أمريكا..برغم  من الأجواء الإيجابية التي أحاطت بالمحادثات النووية الأخيرة بين الولايات المتحدة وإيران، بما في ذلك تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تقدم جيد جداً ومواقف مشابهة من دبلوماسيين إيرانيين ووسطاء عمانيين، إلا أن الواقع على الأرض أكثر تعقيدًا.

 

ففي الجولة الأخيرة من المفاوضات، تراجع الزخم بعدما أصرت واشنطن على مطلب غير واقعي: إنهاء إيران لأي عملية تخصيب لليورانيوم داخل أراضيها، وفق ما نقل تحليل نشرته مجلة ريسبنسبول ستيت كرافت الأمريكية، في 16 مايو 2025.

 

مغالطة التخصيب الصفري

 

هذا المطلب إغلاق أكثر من 20 ألف جهاز طرد مركزي إيراني لم يكن ضروريًا لتحقيق الهدف المعلن للرئيس ترامب، والمتمثل في منع إيران من امتلاك سلاح نووي.

 

لكنه يُعبّر عن موقف قديم تبنّاه صقور واشنطن مثل جورج بوش الابن، ديك تشيني، نكي هايلي، مايك بومبيو، وجون بولتون، والذين كانوا يدركون أن الإصرار على استسلام كامل من إيران سيُجهض أي مسار دبلوماسي، ويمهد الطريق نحو الحرب.

 

السعي لإجبار إيران على تخصيب صفري أثبت أنه ليس فقط مستحيلًا، بل أيضًا مضرًا، لأنه يمنح طهران الوقت لتطوير برنامجها النووي دون قيود، بينما يُعطّل فرص التوصل إلى اتفاق واقعي قائم على التحقق والمراقبة.

 

دروس من الماضي

 

في عام 2003، عرضت إيران اتفاقًا شاملًا على الولايات المتحدة، يتضمن قيودًا على تخصيبها النووي. حينها، لم تكن تملك سوى 164 جهاز طرد مركزي، ولم تكن قادرة على تخصيب اليورانيوم فوق 3.67% نسبة مناسبة للاستخدام المدني. لكن إدارة بوش تجاهلت العرض وعاقبت السفير السويسري الذي نقله إلى واشنطن، متمسكة بمطلب صفر تخصيب وتغيير النظام الإيراني.

 

وبغياب أي اتفاق، تسارع البرنامج النووي الإيراني. في عام 2006، بلغ عدد الأجهزة أكثر من 3,000، ومع رفض بوش بدء التفاوض دون توقف إيران عن التخصيب، توقفت المفاوضات وتقدم البرنامج دون عوائق.

 

عندما تولى باراك أوباما الرئاسة في 2009، كانت إيران تشغل 8,000 جهاز وتملك 1,500 كغم من اليورانيوم منخفض التخصيب. وبعد عدة محاولات، شهد عام 2012 انطلاقة حقيقية في محادثات سرية عُقدت في سلطنة عُمان، عندما قبلت واشنطن لأول مرة بمبدأ التخصيب تحت الرقابة ، مما مهد الطريق لتوقيع الاتفاق النووي المعروف بـ خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA).

 

لكن انسحاب ترامب من الاتفاق أعاد الأمور إلى نقطة الصفر. واليوم، وبعد عقدين من الإصرار على هدف مستحيل، أصبح لدى إيران برنامج أكثر تطورًا مما كان عليه في أي وقت مضى، ما يجعل العودة إلى مطالب صفر تخصيب أمرًا كارثيًا.

 

شبح السناب باك

 

المخاطر تتزايد مع اقتراب موعد انتهاء آلية السناب باك التي تتيح للدول الموقعة على الاتفاق النووي إعادة فرض العقوبات الأممية بسرعة إذا انتهكت إيران التزاماتها. الآلية تنتهي في أكتوبر، وتُفكر فرنسا وألمانيا وبريطانيا في تفعيلها بحلول يونيو، ليتزامن ذلك مع مهلة الـ90 يومًا التي تحتاجها إيران للانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT) وطرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

 

إذا حدث ذلك، فإن المفاوضات ستدخل مرحلة أكثر توترًا، وتتحول من محاولة كبح البرنامج النووي الإيراني إلى محاولة يائسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وستصبح واشنطن أمام مفاوضات أصعب مع أوروبا وروسيا والصين وهي معادلة أصعب من التفاوض المباشر مع إيران.

 

خطر التصعيد العسكري

 

أي انهيار دبلوماسي قد يُمهّد الطريق لخيار عسكري مدمر. رغم تراجع نفوذ إيران الإقليمي، إلا أن قدرتها الصاروخية بقيت قوية، بل أثبتت فعاليتها كما ظهر في هجوم أكتوبر 2024 الذي اخترق الدفاعات الجوية الإسرائيلية، بما فيها القبة الحديدية ، و حيتس ، و مقلاع داوود ، و باتريوت .

 

وقد دفع ذلك الحكومة الإسرائيلية إلى طلب نشر منظومة ثاد الأمريكية المتقدمة التي فشلت لاحقًا أيضًا في صد هجوم حوثي صاروخي أصاب مطار بن غوريون.

 

وبالتالي، فإن الحرب لن تدمر البرنامج النووي الإيراني بل ستؤخره لعام واحد فقط، وتعيد الحاجة لتكرار الضربات. لكنها بالتأكيد ستؤدي لمقتل أمريكيين وتدمير إرث ترامب السياسي، كما دمر غزو العراق إرث بوش.

 

يملك ترامب فرصة فريدة للتوصل إلى اتفاق قوي مع إيران، إذا تخلّى عن أوهام الماضي، ورفض ضغوط الصقور في واشنطن الذين ما زالوا يروجون لفكرة صفر تخصيب . ورغم تصريحات البعض مثل ماركو روبيو وستيف ويتكوف، إلا أن ترامب حتى الآن يُبقي موقفه غامضًا. وفي النهاية، الكلمة له وحده.