#عاجل:الحرب التكنولوجية بين الصين وأمريكا.. من ينتصر؟
في ظل صعود الصين كقوة تكنولوجية عظمى، تبدو الولايات المتحدة وكأنها تتراجع خطوة تلو الأخرى، لم يعد الأمر يتعلق بمجرد تفوق مؤقت للصين، بل بتحول إستراتيجي شامل يهدد مكانة أمريكا العالمية.
الصين، من خلال نهجها الموحد الذي يجمع بين الدولة والقطاع الخاص، تُحقق تقدمًا متسارعًا في الذكاء الاصطناعي، الحوسبة الكمّية، التصنيع المتقدّم، والسيطرة على سلاسل الإمداد. هذا التقدم لا يشكل تهديدًا اقتصاديًا فحسب، بل يمثل خطرًا وجوديًا على الأمن القومي الأمريكي ونفوذها العالمي، وفق تحليل لمجلة ناشونال إنترست الأمريكية، نشرته الجمعة 16 مايو 2025.
المنافسة لم تعد تقنية فقط صراع قيم
في المقابل، تعاني الولايات المتحدة من تخبط في الرؤية وغياب التنسيق، وهو ما أضعف قدرتها على التصدي لهذا التحدي. التحركات الجزئية والمبادرات المحدودة لم تعد كافية، بل هناك حاجة لإعادة تصور المنظومة التكنولوجية الأمريكية برمتها.
السباق مع الصين لا يقتصر على من يملك التقنية الأفضل، بل يمتد ليشمل القيم التي تحكم هذه التقنية. فالمستقبل التكنولوجي، بحسب رؤية الخبراء، إما أن يُشكَّل وفق مبادئ ديمقراطية تحترم الخصوصية والحريات، أو يستسلم لنهج استبدادي يكرس المراقبة والسيطرة، على حد وصف المجلة الأمريكية.
كما أوضح تقرير صادر عن معهد نيو لاينز ، فإن هذا التنافس يُعد تحديًا ممنهجًا يتجاوز الاقتصاد ويمتد إلى الأمن والدبلوماسية ، مما يتطلب استجابة شاملة تعيد توجيه الابتكار الأمريكي وتحمي التقنيات الحيوية من الوقوع في الأيدي الخطأ.
تنظيم دقيق بدلًا من القيود العشوائية
التحديات التكنولوجية الحديثة تفرض نوعًا جديدًا من التنظيم. فكلما تعقدت سلاسل التوريد وأصبحت أكثر ترابطًا، بات من الضروري أن تكون السياسات التنظيمية الأمريكية أكثر دقة وذكاءً. فرض قيود واسعة وعشوائية قد يضر أكثر مما ينفع، لأنه يكبل الابتكار ويُضعف من قدرة أمريكا التنافسية.
وفي قطاع الأمن السيبراني، مثلًا، لم تؤدِ الدعوات لفرض تشريعات صارمة على الشركات الكبرى إلى تحسين ملموس. بل ساهمت الهيمنة المحدودة لشركات بعينها في تعطيل التوازن بين الحكومة والقطاع الخاص. لذلك، يتوجب على السياسات الأمريكية أن تميل إلى التعاون الذكي لا إلى العزلة أو المواجهة.
نحو نماذج تكنولوجية جديدة وثورية
من أجل استعادة زخم الابتكار، تحتاج الولايات المتحدة إلى تجاوز النماذج التقليدية. في مجال الذكاء الاصطناعي، لا ينبغي أن ينحصر التقدم في تقنيات التعلم الآلي فقط، بل لا بد من استكشاف أنماط أكثر تطورًا مثل الذكاء العصبي الرمزي، الذي يدمج بين المناهج التقليدية والحديثة.
كما أن مجال الأمن السيبراني يتطلب إعادة هيكلة جذرية؛ إذ إن الاعتماد على عدد محدود من الشركات التي تقدم حلولًا غير شفافة ( الصناديق السوداء ) يؤدي إلى مزيد من الثغرات بدلًا من علاجها. وفي هذا السياق، يجب على الحكومة الفيدرالية أن توسّع من تمويلها للبحث والتطوير بشكل حاسم، بعد سنوات من التقشف أثرت سلبًا على البنية التحتية للابتكار.
توسيع قاعدة الابتكار
التركيز الضيق على وادي السيليكون خلق فجوة بين التكنولوجيا والمجتمع الأمريكي الأوسع. فشريحة كبيرة من المواطنين لا ترى نفسها جزءًا من هذا العالم التقني، بل تشعر بالعزلة والريبة تجاه شركات التكنولوجيا الكبرى.
لذلك، هناك ضرورة لتعميم الفرص وتوسيع المشاركة لتشمل الشباب، والعمال، والأشخاص من غير حملة الشهادات الجامعية، مما يُحول التكنولوجيا إلى مشروع وطني شامل لا حكرًا على النخبة.
التحالفات الدولية ركيزة أساسية للريادة التقنية
لا يمكن للولايات المتحدة أن تعتمد على السياسات المحلية وحدها لتأمين تفوقها التكنولوجي. فإعادة بناء التحالفات الدولية أمر بالغ الأهمية، خصوصًا في ظل هيمنة الصين على الموارد الحيوية وسلاسل التوريد. من الخطأ الاعتقاد بأن التفوق الأمريكي سينتصر وحده، أو أن العالم سيصطف تلقائيًا خلف القيم الديمقراطية دون جهد.
ويجب على واشنطن أن تعرض على شركائها حوافز اقتصادية وأمنية ملموسة، بدلًا من فرض مطالب أحادية غير واقعية قد تنفر الحلفاء وتدفعهم إلى الاقتراب من الصين. فبناء ائتلاف قوي يتطلب دبلوماسية ذكية، ومكاسب مشتركة.
سباق مصيري
السباق التكنولوجي مع الصين ليس مجرد منافسة عابرة، بل لحظة تاريخية فاصلة ستُحدد شكل النظام العالمي لعقود قادمة.
فإما أن تنجح أمريكا في فرض نموذجها القائم على الابتكار الحر والتعددية، أو تفسح المجال أمام صعود نموذج استبدادي ذي نفوذ واسع.
لكن لا يزال الوقت متاحًا لتغيير المسار. المطلوب هو تحرك جذري في أربع اتجاهات: إصلاح تنظيمي دقيق، تبني نماذج تقنية جديدة، توسيع قاعدة الابتكار المجتمعي، وإعادة بناء التحالفات الدولية. فإما أن تختار الولايات المتحدة أن تقود، أو تترك المجال لخصم يفرض نظامًا مغايرًا لقيمها.