هل الصين تسلح نفسها بمعادن تقوض تفوق الغرب العسكري؟
لا تُحسم الحروب فقط في ميادين القتال، بل تُحسم أيضًا في أعماق المناجم ومصانع التكرير، ومن بين الكنوز الخفية التي تحدد ملامح التفوق العسكري في القرن الحادي والعشرين، يبرز معدن الساماريوم عنصر غامض من المعادن الأرضية النادرة، أصبح بيد الصين ورقة ضغط لا تُقدّر بثمن.
احتكار بكين لإنتاج هذا المعدن، الذي لا غنى عنه في صناعة الطائرات المقاتلة والصواريخ والأسلحة الذكية، يثير قلقًا متصاعدًا لدى الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، وفي ظل توترات جيوسياسية متصاعدة، تظهر ثغرات خطيرة في سلاسل توريد الصناعات الدفاعية، قد تُفضي إلى تغير موازين القوة.
الساماريوم.. المعدن الصغير الذي يشعل الصراع الكبير
حسب صحيفة نيويورك تايمز ، الاثنين 9 يونيو 2025، ففي الوقت الذي تسابق فيه الولايات المتحدة الزمن لإعادة ملء مخزوناتها من الأسلحة المتطورة، كشفت الصين عن ورقة ضغط جديدة، لكنها بالغة التأثير: احتكارها التام لإنتاج معدن الساماريوم، وهو عنصر أرضي نادر يُستخدم حصريًا تقريبًا في التطبيقات العسكرية المتقدمة.
وتُعد المغناطيسات المصنوعة من الساماريوم ضرورية لتحمّل درجات حرارة عالية، كتلك الموجودة في مقدمة الصواريخ أو داخل المحركات الكهربائية السريعة، دون أن تفقد خصائصها المغناطيسية. هذه المغناطيسات تُستخدم في الطائرات المقاتلة من طراز F-35، والصواريخ الذكية، وأنظمة التوجيه، مما يجعل الساماريوم عنصراً لا بديل له في الصناعات الدفاعية الغربية.
الساماريوم.. المعدن الصغير الذي يشعل الصراع الكبير
في خطوة زادت من حدة الأزمة، فرضت الصين في 4 أبريل قيودًا جديدة على تصدير سبعة أنواع من المعادن الأرضية النادرة، بما فيها المغناطيسات المصنعة منها، مشترطةً إصدار تراخيص خاصة لأي صادرات مستقبلية. ووفقًا لوزارة التجارة الصينية، فإن هذه الإجراءات تهدف إلى حماية الأمن القومي و منع الانتشار ، في إشارة ضمنية إلى الاستخدامات العسكرية لهذه المواد.
ورغم منح بعض التراخيص لشركات السيارات في أوروبا وأمريكا لمغناطيسات تحتوي على عناصر مثل الديسبروسيوم والتيربيوم، لم تُمنح أي تراخيص تصدير لمعدن الساماريوم حتى الآن. ويُفسّر هذا برغبة الصين في كبح توريد هذه المادة الحساسة التي لا تُستخدم في أغلب الأحيان إلا في السياقات العسكرية.
وتزامن ذلك مع انطلاق محادثات تجارية رفيعة المستوى بين مسؤولين أمريكيين وصينيين في لندن، حيث يُعد موضوع استئناف تصدير المعادن الأرضية النادرة أولوية ملحّة بالنسبة لواشنطن. ومع ذلك، تُجمع التقديرات على أن بكين لن تتخلى عن نظام تراخيص التصدير الجديد بسهولة.
احتكار صيني محكم
قال مايكل هارت، رئيس غرفة التجارة الأمريكية في الصين: لا أعتقد أن هذا الأمر سيختفي ، في إشارة إلى استمرار قيود التصدير التي تقوّض قدرة الصناعات الدفاعية الغربية على مواصلة الإنتاج.
وفي الولايات المتحدة، تعتمد شركة لوكهيد مارتن أكبر مقاول دفاعي بشكل مباشر على الساماريوم، حيث يُركّب في كل طائرة F-35 ما يقرب من 22 كغم من مغناطيساته. ورغم أن الشركة أكدت أنها تراقب سلسلة التوريد عن كثب، فإن معالجة هذه المسألة تقع على عاتق الحكومة الأمريكية.
وبالفعل، دفعت المخاوف وزارة الدفاع الأمريكية إلى إبرام عقود لبناء منشآت إنتاج محلية للساماريوم. لكن حتى الآن، لم يُبنَ أي مصنع فعّال، ما يجعل واشنطن رهينة للإمدادات الصينية بالكامل. وازدادت الأزمة تعقيدًا مع تزايد الطلب على الأسلحة من أجل دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، ودعم إسرائيل خلال حرب غزة، بالإضافة إلى تزويد تايوان بأنظمة دفاعية متقدمة.
صفقات الأسلحة إلى تايوان
زادت الصين من حدة موقفها بفرض عقوبات على متعاقدين عسكريين أمريكيين على خلفية صفقات الأسلحة إلى تايوان. وتهدف هذه العقوبات إلى منع أي معاملات مالية بين الشركات الصينية وهؤلاء المتعاقدين، مما أثّر بشكل غير مباشر على استيراد الساماريوم.
وأكّد خبير المعادن النادرة ستانلي تراوت أن الساماريوم يُستخدم حصريًا تقريبًا للأغراض العسكرية ، مشيرًا إلى أن الغرب بات عاجزًا عن تعويض النقص في الإمدادات بسهولة، لا سيما في ظل إغلاق المصنع الفرنسي الوحيد لمعالجة هذا المعدن في عام 1994، وفشل منجم ماونتن باس الأمريكي في إنتاج الساماريوم بسبب التكاليف العالية والمنافسة الصينية الشرسة.
إنتاج الساماريوم
تاريخيًا، فشلت محاولات واشنطن في تأمين سلاسل التوريد البديلة. ففي عام 2010، وبعد أن أوقفت الصين شحن المعادن الأرضية النادرة إلى اليابان ضمن خلاف إقليمي، أطلقت الولايات المتحدة خطة بتكلفة مليار دولار لإعادة تشغيل منجم ماونتن باس في كاليفورنيا، لكنه لم ينجُ من الإفلاس بسبب المنافسة الصينية.
وفي محاولة جديدة، منحت وزارة الدفاع الأمريكية 35 مليون دولار لشركة MP Materials لاستئناف إنتاج الساماريوم، تبعتها منحة أخرى بقيمة 351 مليون دولار لشركة Lynas الأسترالية لبناء منشأة في تكساس. غير أن هذه المبادرات ما تزال متعثرة: شركة MP لم تُركّب معداتها بعد، وشركة Lynas لم تباشر البناء.
وهكذا، يتكشّف معدن صغير اسمه الساماريوم كأداة جيوسياسية بالغة التأثير، تُوظّفها الصين لإعادة صياغة موازين القوى العالمية. ومع استمرار احتكار بكين لهذا المورد الحرج، تقف الجيوش الغربية أمام تحدٍّ صامت لكنه خطير: كيف تبني دروعها وسيوفها، فيما مفاتيح المعدن في يد خصمها؟ وبين ماكينات الحرب ومصانع التعدين، يظهر الساماريوم لا كمجرد عنصر كيميائي، بل كلاعب استراتيجي في لعبة الأمم.