عاجل – موجات #هجرةيهودبني منشيه إلى #إسرائيل.. الخلفيات والتأثير
قد شكلت قضايا الهجرة والهوية والديموغرافيا جزءًا أساسيًا من بنية النظام السياسي والاجتماعي في إسرائيل، حيث تُعدّ مسألة استيعاب المهاجرين أحد الأعمدة التاريخية التي اعتمدت عليها الدولة منذ تأسيسها، وعلى هذا المسرح الذي يزداد تعقيدًا مع الزمن، برزت في السنوات الأخيرة موجات جديدة من هجرة بني منشيه ، وهي جماعة صغيرة من شمال شرق الهند تدّعي الانتماء إلى إحدى القبائل اليهودية القديمة، بعد أن وافقت الحكومة الإسرائيلية على تسريع إدخال أعداد متزايدة منهم.
هذه الموجات ليست مجرد قضية إنسانية أو دينية؛ بل تُشكّل جزءًا من سياسات إسرائيلية ذات طابع استراتيجي، تمسّ قضايا الديموغرافيا في الداخل، والتوازن السكاني في مناطق حساسة، إلى جانب توظيفها سياسيًا ودبلوماسيًا في الأطر الداخلية والخارجية.
الحكومة الإسرائيلية
ذكرت صحيفة هآرتس ، في تقارير متعددة، أن الحكومة الإسرائيلية أقرت خطة واسعة لإحضار آلاف من أفراد بني منشيه على مراحل تمتد إلى نهاية العقد الحالي، بينما أكدت صحيفة يديعوت أحرونوت أن الخطة تشمل دفعات أولى تتجاوز الألف مهاجر، على أن تتبعها موجات أكبر خلال السنوات اللاحقة.
أما موقع تايمز أوف إسرائيل فقد ركّز على البعد السياسي للقرار، وعلى التبريرات التي قدمها كبار المسؤولين الحكوميين، وما يحمله ذلك من دلالات للسياسة الإسرائيلية الداخلية.
أولًا: من هم بني منشيه؟ خلفية تاريخية ودينية
ينتمي بني منشيه إلى جماعات إثنية تعيش أساسًا في ولايتي مانيپور وميزورام في شمال شرق الهند، وتقول هذه الجماعات إنها من نسل قبيلة منسى المذكورة في التقاليد اليهودية القديمة. خلال القرن العشرين، ظهرت حركات محلية داخل تلك المناطق تبنّت الممارسات اليهودية، وأبدت رغبة في الارتباط بإسرائيل، ما دفع منظمات يهودية دولية إلى التواصل معهم ودعم مطالبهم في الهجرة.
بدأت أولى الهجرات المنظمة لهذه الجماعة في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وجرت على مراحل متقطعة، وتقول تايمز أوف إسرائيل إن هذه الهجرات كانت محدودة العدد لسنوات طويلة، قبل أن تتحوّل تدريجيًا إلى موجات أكبر نتيجة جهود منظمات تهتم بجلب مجموعات تعتبر نفسها قريبة من التراث اليهودي.
وتشير تقارير جيروزالم بوست إلى أن جزءًا من أفراد بني منشيه خضع لعمليات تثبيت ديني عند وصولهم إلى إسرائيل، وذلك نتيجة الاختلافات بين الممارسات الدينية الخاصة بهم وبين المعايير المتبعة داخل المؤسسات الدينية الرسمية، ورغم ذلك، فإن معظمهم تمكّنوا من اكتساب صفة مهاجر وفق القوانين الإسرائيلية، ودخلوا في برامج حكومية للاندماج.
ثانيًا: القرارات الحكومية والموجة الحديثة من الهجرة
شهدت السنوات الأخيرة تحوّلًا واضحًا في تعامل الحكومة الإسرائيلية مع ملف بني منشيه، إذ انتقلت القضية من مستويات نقاش دينية وجمعوية إلى سياسة حكومية رسمية تشمل خطط إسكان وتمويل ومتابعة.
تفاصيل الخطة الحكومية الجديدة
ذكرت صحيفة هآرتس أنّ الحكومة وافقت على برنامج يمتد حتى 2030 لإحضار ما بين 5 إلى 6 آلاف من أفراد بني منشيه، إضافة إلى دفعة أولية تتجاوز الألف شخص، من المتوقع وصولهم خلال العامين القادمين، وأوضحت الصحيفة أن القرار جاء بعد نقاشات مطوّلة داخل اللجان الحكومية، ركّزت على الجوانب الدينية واللوجستية والمالية.
وكتبت يديعوت أحرونوت أن وزيرين بارزين قدّما الخطة على أنها مسؤولية قومية ، وأن إسرائيل لا يمكنها تجاهل جماعات تعلن انتماءها إلى التراث اليهودي وتتطلع إلى العودة ، وأضافت أن الخطة تشمل توسيع برامج تعليم اللغة، وتوفير مراكز استيعاب، وتوزيع الوافدين الجدد على بلدات محددة في الشمال.
أما تايمز أوف إسرائيل فقد أبرزت الجانب السياسي للقرار، مشيرة إلى أنّه يتوافق مع خطاب حكومي يسعى إلى تعزيز الوجود اليهودي في مناطق معينة، خصوصاً في الجليل والشمال، وهي مناطق تشهد حساسية ديموغرافية بسبب توازنها السكاني المركّب.
البعد السياسي الداخلي للقرار
يرى محللون إسرائيليون، وفقًا لصحيفة هآرتس ، أن تكثيف الهجرة من بني منشيه ينسجم مع التوجهات السياسية لبعض الأحزاب الإسرائيلية التي ترى في دعم الهجرة اليهودية رافعة لتعزيز الهوية القومية، ولتوسيع القاعدة الانتخابية من خلال مجموعات تميل غالبًا إلى تأييد تيارات دينية أو قومية.
وتشير جيروزالم بوست إلى أن الحكومة الحالية تسعى أيضًا إلى تسجيل إنجاز قومي من خلال هذا القرار، وأن الخطة تقدم رسالة للجمهور الداخلي بأن الدولة حريصة على استقدام كل من يدّعي الانتماء إلى اليهودية، حتى إن كان من مناطق بعيدة جغرافيًا وثقافيًا.
ثالثًا: التأثير الديموغرافي والسياسي للهجرة
رغم أن أعداد بني منشيه المتوقعة لا تشكل تغييرًا كبيرًا في إجمالي سكان إسرائيل، فإنّ أثرها يتبدى أكثر عند النظر إلى التوزيع الجغرافي المحلي، والانعكاسات السياسية والاجتماعية المرافقة.
التأثير العددي في المناطق الحساسة
وفق تقارير يديعوت أحرونوت ، تسعى الحكومة إلى إسكان نسبة كبيرة من المهاجرين الجدد في البلدات الشمالية، وهي مناطق تُستخدم في كثير من الأحيان في حسابات التوازن الديموغرافي بين اليهود والعرب.
وهذا يعني أن أعدادًا صغيرة نسبيًا قد تُحدث أثرًا ملموسًا إذا تم تركيزها في بلدات محددة، وهو ما قد يؤثر في نتائج الانتخابات المحلية، وتوزيع الموازنات، والتخطيط العمراني.
التأثير على الخطاب السياسي
تذكر هآرتس أنّ استقبال بني منشيه يعزّز من جديد النقاش الإسرائيلي القديم بشأن من هو اليهودي؟ ، إذ إن الاعتراف بجماعات بعيدة ثقافيًا وجغرافيًا يفتح الباب لأسئلة متعلقة بالهوية، والحدود الدينية، وسلطة المؤسسات الدينية.
كما أشارت تايمز أوف إسرائيل إلى أن وصول هذه المجموعات غالبًا ما يُستغل سياسيًا لتعزيز خطاب الحكومة بشأن حماية اليهود في الشتات وتسهيل عودة كل من يحمل جذورًا يهودية، وهو خطاب يلقى قبولًا بين القواعد اليمينية والدينية.
الأثر الاجتماعي والاقتصادي المحلي
أكدت جيروزالم بوست في تقاريرها أن استيعاب المهاجرين في بلدات صغيرة قد يفرض تحديات مالية على الحكومات المحلية، خصوصًا ما يتعلق بالإسكان، والتعليم، والرعاية الصحية، وبرامج تأهيل العمالة.
كما أشارت الصحيفة إلى أن بعض المجتمعات المحلية أبدت مخاوف من إمكانية حدوث ضغط على الخدمات العامة، لا سيما في ظل نقص المساكن في العديد من المناطق.
انعكاسات على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
ليس من المتوقع أن تُحدث الهجرة الجديدة تحوّلًا كبيرًا في المعادلة الديموغرافية الشاملة للصراع، إلا أنّ تركيز المهاجرين في المناطق الحدودية أو المختلطة يمكن أن يرتبط بشكل غير مباشر بقضايا الأمن الداخلي والتخطيط السكاني.
وبحسب تحليلات أوردتها هآرتس ، فإنّ بعض الساسة يرون أنّ تعزيز الوجود اليهودي في الشمال يخدم رؤية بعيدة المدى بشأن تثبيت التوازن السكاني ، حتى لو كانت الأعداد صغيرة نسبيًا.
رابعًا: لماذا الآن؟ تحليل دوافع تسريع الهجرة
لفهم توقيت القرار، ينبغي النظر إلى مجموعة من العوامل المتشابكة التي عملت معاً لإحياء ملف بني منشيه على أعلى مستوى.
نشاط المنظمات الدولية الداعمة
أشارت جيروزالم بوست إلى أن منظمات يهودية عدة مارست ضغوطًا خلال السنوات الماضية لإعادة فتح ملف بني منشيه، وقدّمت مذكرات وتقارير للحكومة الإسرائيلية للتسريع في الاعتراف بهم وإحضارهم.
وذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية أن هذه المنظمات لعبت دورًا حاسمًا في تمويل الجوانب اللوجستية الأولية.
اعتبارات جغرافية داخلية
كتبت هآرتس أن بعض الوزراء قدّموا خطابًا واضحًا مفاده أن تعزيز الوجود اليهودي في الشمال يُعد ضرورة قومية وأمنية ، وهو ما يفسر التركيز الواضح على توجيه المهاجرين نحو هذه المناطق.
رسائل سياسية خارجية
تحدثت تايمز أوف إسرائيل عن أن الدولة العبرية تستخدم ملف عودة اليهود أيضًا لتعزيز صورتها دوليًا، خصوصًا في العلاقات المتنامية مع الهند ومع دول آسيوية أخرى، حيث يُنظر إلى استقبال بني منشيه باعتباره خطوة ذات طابع إنساني وثقافي.
اعتبارات حزبية وانتخابية
ترى هآرتس في قراءتها السياسية أن الملف قد يُستخدم لتحقيق مكاسب انتخابية، خصوصًا أن مجموعات المهاجرين الجدد عادة ما تتبنى مواقف محافظة ودينية، ما يجعلها تميل لدعم أحزاب معينة داخل إسرائيل
أمثلة أخرى من الهجرات اليهودية إلى إسرائيل وتأثيرها:
لا يمكن دراسة تأثير هجرة بني منشيه بمعزل عن الهجرات اليهودية الكبرى الأخرى التي شهدتها إسرائيل خلال العقود الماضية، والتي لعبت دورًا مركزيًا في تشكيل المجتمع والسياسة والاقتصاد، ومن أبرز هذه الأمثلة:
هجرة يهود الفلاشا (بيتا إسرائيل)
تُعتبر موجة هجرة يهود إثيوبيا واحدة من أكثر الموجات تأثيرًا على البنية السكانية لإسرائيل، وتمت عبر عمليات واسعة أبرزها عملية موسى عام 1984 وعملية سليمان عام 1991، حيث نُقل عشرات الآلاف من الإثيوبيين جوًا إلى إسرائيل.
وذكرت صحيفة هآرتس في تقاريرها أن هذه العمليات غيّرت البنية الديموغرافية في مدن مثل نتانيا وبئر السبع وأشدود، حيث يشكّل يهود إثيوبيا اليوم كتلًا سكانية كبيرة.
كما أكدت يديعوت أحرونوت أن المجتمع الإثيوبي واجه سنوات طويلة من التمييز والصعوبات في الاندماج، الأمر الذي أدى إلى احتجاجات واسعة، دفعت الحكومة إلى اعتماد برامج دمج وتعليم وتشغيل واسعة.
ومع مرور الوقت، أصبح للمجتمع الإثيوبي تمثيل سياسي في الكنيست، كما أشارت تايمز أوف إسرائيل ، مما يعكس تحوّلهم إلى قوة اجتماعية وسياسية لها تأثير واضح.
المهاجرون من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق
شكّلت هجرة أكثر من مليون شخص من دول الاتحاد السوفييتي السابق في التسعينيات أكبر موجة هجرة في تاريخ إسرائيل.
وأكدت هآرتس أن هذه الهجرة أحدثت تغييرًا جذريًا في الاقتصاد الإسرائيلي، ورفعت مستوى الخبرات العلمية والهندسية، وأسهمت في تعزيز قطاعات التكنولوجيا والصناعة.
كما أشارت جيروزالم بوست إلى أن هذه الفئة ساهمت في تأسيس أحزاب سياسية لعبت دورًا محوريًا في تشكيل الحكومات، مثل حزب إسرائيل بيتنا ، مما جعلها كتلة انتخابية مؤثرة على مدار عقود.
الهجرات الغربية (أوروبا الغربية والولايات المتحدة)
رغم أن أعداد المهاجرين من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية أقل مقارنة بالموجات الكبرى، فإن تأثيرهم الاقتصادي والثقافي يُعد كبيرًا.
وذكرت جيروزالم بوست أن هذه الفئة تمتلك قدرات اقتصادية عالية، وتؤثر على سوق العقارات والتعليم، وعلى المشهد الثقافي في مدن كبرى مثل القدس وتل أبيب، كما أن حضورهم في المبادرات الاجتماعية والمنظمات الأهلية يعزز دورهم في صياغة بعض السياسات المحلية.
التأثير العام لهذه الهجرات على إسرائيل
تكشف مقارنة هذه الموجات عن صورة شاملة لتأثير الهجرة اليهودية:
هجرة الفلاشا والسوفييت كانت واسعة وغيرت هوية المجتمع بصورة عميقة.
الهجرات الغربية أثرت في الاقتصاد والثقافة.
أما هجرة بني منشيه فرغم صغر حجمها، إلا أن تأثيرها واضح محليًا في مدن الشمال، ويعزز النقاش بشأن الهوية اليهودية ومعايير القبول الديني.
الخاتمة
تشكّل هجرة بني منشيه مثالًا واضحًا على كيفية تداخل الدين والسياسة والديموغرافيا في إسرائيل، فمن ناحية، تُقدَّم هذه الهجرة باعتبارها خطوة إنسانية واستجابة لآمال جماعة ترى نفسها جزءًا من الشعب اليهودي، ومن ناحية أخرى، تعمل الحكومة على توظيف هذه الموجة في إطار سياساتها الداخلية لإعادة تشكيل التوازن الديموغرافي المحلي في مناطق حسّاسة.
وقد أجمعت تقارير هآرتس و تايمز أوف إسرائيل و يديعوت أحرونوت و جيروزالم بوست على أن هذا الملف سيبقى جزءًا من النقاش العام الإسرائيلي لسنوات طويلة، ليس فقط بسبب أعداد المهاجرين، بل لأن السؤال الأعمق الذي يحمله يتعلق بحدود الهوية اليهودية، ودور الدولة في إعادة تعريفها بحسب احتياجاتها السياسية والاجتماعية.
في النهاية، سيُقاس نجاح هذا المشروع ليس بعدد الوافدين وحده، بل بمدى نجاح الدولة في دمجهم، واحترام خصوصيتهم الثقافية، ومنع نشوء توترات محلية، إضافة إلى قدرة هذه الموجة على الإسهام في بناء علاقات أكثر استقرارًا بين المكونات الاجتماعية داخل إسرائيل.