#الذهب الأبيض يعود من جديد.. مفاجأة سارة تنتظر أهالي #الغربية

#الذهب الأبيض يعود من جديد.. مفاجأة سارة تنتظر أهالي #الغربية

…المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، ليست مجرد مدينة، بل ذاكرة حيّة منسوجة بخيوط القطن والعرق والوقت؛ فالمدينة العتيقة تعلّمت أن تقيس الزمن بدوران الماكينات، وأن تحفظ أسماء أبنائها في دفاتر المصانع قبل دفاتر المواليد؛ هنا، حيث كان للصمت يومًا صوت معدني خافت، تعود الأسئلة الكبرى لتفرض نفسها: هل يمكن لمدينة صنعت التاريخ أن تعيد صناعة المستقبل؟ وهل تُبعث المدن حين تُبعث مصانعها، أم حين تستعيد ثقتها في ذاتها؟

#الذهب الأبيض يعود من جديد.. مفاجأة سارة تنتظر أهالي #الغربية

المحلة الكبرى ففي المحلة الكبرى، لا تبدأ الحكاية من حجر الأساس ولا تنتهي عند افتتاح مصنع، بل تمتد بين جيلٍ سلّم المهنة كوصية، وجيلٍ ينتظر أن يجد لنفسه مكانًا في وطن يعيد ترتيب أولوياته؛ ما يحدث اليوم ليس مجرد مشروع صناعي، بل لحظة وعي جماعي، تعيد تعريف معنى التنمية بوصفها فعلًا إنسانيًا قبل أن تكون رقمًا في تقارير الاقتصاد، وإرادة قادرة على تحويل الماضي من عبءٍ ثقيل إلى طاقة دافعة، ومن ذاكرةٍ إلى وعدٍ قابل للتحقق.

 

هنا، في مدينة عرفت المجد والانكسار معًا، تبدأ صناعة المستقبل من حيث وُلدت الفكرة الأولى: من المصنع، ومن الإنسان، ومن الإيمان بأن النهضة لا تُستورد، بل تُنسج خيطًا خيطًا.

 

الذهب الأبيض فالمحلة الكبرى لم تكن يومًا مجرد تجمع صناعي عابر، بل كانت لعقود طويلة القلب النابض لصناعة الغزل والنسيج في مصر، وذاكرة وطنية ارتبط اسمها بالقطن المصري الذي عُرف عالميًا بـ«الذهب الأبيض»؛ واليوم، تعود المحلة إلى الواجهة، لا بوصفها رمزًا من الماضي، بل باعتبارها محور مشروع تنموي عملاق يعيد بناء واحدة من أقدم الصناعات الوطنية على أسس حديثة، ويضعها في صدارة أولويات الدولة للتنمية الصناعية وتعميق التصنيع المحلي.

 

في قلب هذه المدينة، تتجسد رؤية الدولة في مشروع تطوير شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، الذي يُعد الأكبر من نوعه عالميًا، بتكلفة تقترب من 50 مليار جنيه، في خطوة تستهدف ليس فقط تحديث المصانع، بل إعادة صياغة دور المحلة كمركز إقليمي وعالمي لصناعة الغزل والنسيج.

 

تنمية تتجاوز الجدران لا يمكن النظر إلى مشروع المحلة الكبرى باعتباره مجرد توسعة إنتاجية، بل هو مشروع تنموي متكامل تتقاطع فيه الصناعة مع التشغيل، والتصدير مع الأمن الاقتصادي.

 

فالمصنع الجديد، الذي تم الانتهاء من تركيب ماكيناته بنسبة 100% ويجري تشغيله تجريبيًا، يستهدف إنتاج 188 ألف طن غزول سنويًا، إلى جانب 198 مليون متر نسيج و50 مليون قطعة ملابس جاهزة، بما يعزز الصادرات المصرية بنحو 2.5 مليار دولار سنويًا.

 

هذا المشروع وحده من المتوقع أن يوفر ما يقرب من مليار دولار سنويًا من واردات الغزل، ويعيد التوازن إلى سلاسل الإمداد المحلية التي عانت طويلًا من الاعتماد على الخارج.

 

المحلة بقلب الخُطَّة الصناعية في هذا السياق، جاء اجتماع الفريق مهندس كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل، مع وزير قطاع الأعمال العام وممثلي الصناعات النسجية، ليؤكد أن المحلة الكبرى ليست مشروعًا منفصلًا، بل حجر الزاوية في استراتيجية تعميق التصنيع المحلي.

 

وأكد الوزير أن الدولة تستهدف بناء سلسلة صناعية متكاملة تبدأ من حلج القطن، مرورًا بالغزل، والتجهيز، والصباغة، والنسيج، وصولًا إلى الملابس الجاهزة، مشددًا على أن نجاح مشروع المحلة يفتح الباب أمام إعادة هيكلة الصناعة على مستوى الجمهورية.

 

وأشار إلى أن وزارة الصناعة مستعدة لتقديم كل أشكال الدعم للمستثمرين الجادين لإقامة مصانع غزل ونسيج مكملة لمشروع المحلة، بما يسد الفجوات في سلاسل الإمداد، ويحول مصر من مستورد للغزول إلى مركز إنتاج وتصدير.

 

مصانع عملاقة بقيمة مضافة عالمية من جانبه كشف الدكتور أحمد شاكر، الرئيس التنفيذي للشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج، أن مصنع «غزل 1» بالمحلة الكبرى يتكون من أربعة كيانات إنتاجية متخصصة، تشمل: وحدة لإنتاج الغزل الرفيع عالي الجودة المخصص للتصدير، ووحدة لإعادة تدوير العوادم لإنتاج أقمشة الجينز، وكذا، أكبر مصنع عالمي للتطبيق والزوي، وهي مرحلة تكنولوجية متقدمة تضيف قيمة نوعية للخيوط، ووحدة لحرق الوبرة لتحسين جودة ولمعان الغزول والقضاء على الشعيرات.

 

هذه المنظومة تجعل المنتج الخارج من المحلة منافسًا عالميًا، لا يعتمد فقط على سمعة القطن المصري، بل على التكنولوجيا والمعايير الدولية.

 

بين التحديات والحسم رغم هذا الزخم، لا تزال صناعة الغزل والنسيج تواجه تحديات مزمنة، من بينها ارتفاع تكلفة الاستثمار، وضعف العائد مقارنة بصناعة الملابس الجاهزة، ونقص الخبرات الفنية، وعدم كفاية الإنتاج المحلي من الغزول؛ إلا أن الدولة، وفق تصريحات الفريق كامل الوزير، تتعامل مع هذه التحديات بسياسات حاسمة، أبرزها: تشديد الرقابة على المصانع المستوردة للخامات، وكذا التصدي للتهرب الجمركي والممارسات الضارة، واشتراط التكامل الصناعي عند إصدار التراخيص، بالاضافة إلى دعم الشراكات بين القطاعين العام والخاص.

 

المحلة من ذاكرة الصناعة لمستقبل التصدير وفي قراءة أوسع، لا يمثل مشروع المحلة الكبرى مجرد عودة مصنع إلى العمل، بل عودة مدينة كاملة إلى دورها التاريخي. فالمحلة التي كانت يومًا عنوانًا للصناعة الوطنية، تستعيد اليوم مكانتها كقاطرة للتنمية الصناعية، ومركز لتشغيل آلاف العمالة المدربة، ونقطة انطلاق لزيادة الصادرات وتعزيز الاقتصاد الوطني.

 

ويؤكد نواب وخبراء الصناعة أن ما يحدث في المحلة يعكس إرادة سياسية حقيقية لتوطين الصناعة، وتحويل الشعارات إلى مصانع تعمل، وماكينات تدور، ومنتج يحمل شعار «صنع في مصر» بقوة في الأسواق العالمية.

 

المحلة نموذج قابل للتكرار وفي النهاية ما يجري في المحلة الكبرى ليس نهاية الطريق، بل بدايته؛ فإذا نجح هذا المشروع في تحقيق مستهدفاته، فإنه يفتح الباب لتكرار التجربة في مدن صناعية أخرى، ويؤسس لمرحلة جديدة تصبح فيها الصناعة الوطنية قاطرة التنمية الشاملة، هكذا، تعود المحلة الكبرى من جديد، لا بوصفها مدينة صنعت تاريخ الغزل والنسيج فقط، بل باعتبارها مدينة تصنع مستقبل الصناعة المصرية.