الدكرورى يكتب عن صفة الجود والكرم ” جزء 2″
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
صفة الجود والكرم ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثاني مع صفة الجود والكرم، ومن الكرم والجود والسخاء هو القناعة بما تيسر من أخلاق الناس، فلا تطلب فيهم الكمال، واسلك سلم التغافل والإعراض، فإذا كنت كذلك فأنت معدود من الأبرار الأخيار الذين اختارهم الله عز وجل، وجعل لهم أخلاقا، منها اللين والبسمة والرحابة والبشاشة والقرب من الناس والتحبب إليهم، وهذا هو الجود بالخلق الكريم، ولا يحمله إلا من أعطاه الله سبحانه وتعالى، خلقا نبيلا عظيما، وعن ابن شهاب، قال ” غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح، فتح مكة، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من المسلمين، فاقتتلوا بحنين، فنصر الله دينه والمسلمين وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صفوان بن أمية مائة من النعم ثم مائة ثم مائة ” وقال ابن شهاب حدثني سعيد بن المسيب.
أن صفوان قال والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني، وإنه لأبغض الناس إلي، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي ” رواه مسلم، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال “أتي النبي صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين فقال انثروه في المسجد فكان أكثر مال أتي به رسول الله، وإذ جاءه العباس فقال يا رسول الله أعطني إني فاديت نفسي وفاديت عقيلا فقال خذ فحثا في ثوبه ثم ذهب يقله فلم يستطع فقال اؤمر بعضهم يرفعه إلي قال لا قال فارفعه أنت علي، قال لا فنثر منه ثم ذهب يقله فلم يرفعه “يستطع” فقال فمر “اؤمر” بعضهم يرفعه علي قال لا قال فارفعه أنت علي قال لا فنثر منه ثم احتمله على كاهله ثم انطلق فما زال يتبعه بصره حتى خفي علينا عجبا من حرصه فما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثم منها درهم ” رواه البخاري.
وقال ابن رجب رحمه الله ” كان النبي صلى الله عليه وسلم، يعطي عطاء يعجز عنه الملوك مثل كسرى وقيصر” ولقد كان كرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بنفسه وتمنيه الشهادة في سبيل الله ” فالسخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس، والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال “انتدب الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي، أن أرجعه، بما نال من أجر أو غنيمة، أو أدخله الجنة ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية، ولوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل ” رواه البخاري، وعن أنس رضي الله عنه قال ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم،على الإسلام شيئا إلا أعطاه، ولقد جاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين.
فرجع إلى قومه فقال يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وإن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا فما يلبث يسيرا حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها ” رواه مسلم، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها أنهم ذبحوا شاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم “ما بقى منها؟” قالت ما بقي منها إلا كتفها، قال “بقى كلها غير كتفها” رواه الترمذي، ومعناه تصدقوا بها إلا كتفها، فقال بقيت لنا في الآخرة إلا كتفها، وما أعظم فضل السخاء والجود والكرم، فإنه الخلق الذي يجب أن يتزين به كل إنسان، وأن يتحلى به كل مسلم، فالسخاء صفة أحبها الله عز وجل، واتصف بها، فهو سبحانه جواد كريم، يرزق من يشاء بغير حساب، ويعطى ولا راد لعطائه، ولا تنفد خزائنه من كثرة العطاء، وقد جمل الله عز وجل بالسخاء أنبياءه ورسله عليهم الصلاة والسلام.
فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أجود الناس وما سئل عن شيء فقال لا، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال “جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أولى الناس بحسن صحابتي؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أبوك” رواه البخاري، وعن أبي الطفيل رضي الله عنه قال “رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لحما بالجعرانة وأنا غلام شاب فأقبلت امرأة فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسط لها رداءه فقعدت عليه، فقلت من هذه؟ قالوا أمّه التي أرضعته” رواه أبو داود والحاكم، ويقال أنه شكا المحلق وهو أحد البخلاء، إلى زوجته عدم طلب الناس للزواج من ابنتيه، فقالت له وكانت عاقلة، لأنك بخيل، والناس ينفرون من البخلاء، قال ما الحل؟ فقالت له ادع الأعشى وانحر له ناقة وأطعمه وأكرمه.
فإنك إذا فعلت ذلك مدحك بالكرم وتزوج الناس بناتك، وبالفعل فعل ما طلبته منه زوجته وأكرم الأعشى وذبح له وأطعمه، ولما خرج الأعشى من عنده مدحه بقصيدة، وانتشرت القصيدة وتزوج الناس بناته في تلك السنة، فالسخاء هو بذل المال مما أعطاك الله في الأمور المحمودة دون مقابل أو عوض ودونما إسراف ولا تفريط وهو أساس الكثير من الفضائل، فهو أساس الألفة والمحبة والتعاون، وأساس لترجيح كفة الحسنات على كفة السيئات يوم توزن الأعمال، وهو سبب في دخول الجنات، والوقاية من عذاب النار .