السلطــــان رضــــية الدنيـــــا والــدين

السلطــــان رضــــية الدنيـــــا والــدين

بقلم / محمود درويش

السلطــــان رضــــية الدنيـــــا والــدين

اعتقدت دائما أن شــجر الــــدر كانت أول سلطانة في التاريخ الإسلامي. ورغم أنها أبلت بلاء حسنا، فأن الخلافة العباسية رفضت توليها سلطنة مصر، وكلنا نعرف نهايتها المأساوية، عندما جردت من ملابسها، وضربت بالقباقيب حتى الموت. أثناء دراسة تاريخ الهند، منذ سنوات، تبين لي أن امرأة مسلمة أخرى قد سبقت شجر الدر في تولي منصب السلطنة. المرأة هي رضـــية الدنيــــا والــــــدين، حفيدة قطـــب الدين أيبك، مؤسس الدولة الإسلامية في الهند، من أبنته قطب بيجم، وزوجها السلطان شمس الدين التتمش، الذي أصر على منح ولاية العهد لأبنته رضية، رغم وجود عدة أبنـــاء ذكور له، ولكن رضية أثبتت أنها أكثر كفاءة في إدارة شؤون الدولة، أثناء غيابه والدها في الحروب، كما أنها أجادت الفروسية منذ نعومة أظفارها.


بعد وفاة أبيها، رفض النبلاء توليها عرش السلطنة، فطبقا للإسلام: لا ولاية لامرأة. تولى الحكم أخوها ركـــن الدين فيروز، الذي تفرغ للهو والانغماس في الملذات والعبث بمقدرات السلطنة، تماما كما توقع أبوه عندما ولى العهد لرضـــية، ولم يستمر حكمه إلا عدة أشهر، أثبت فيها فشلا ذريعا. اضطر بعدها النبلاء للقبول بحكم رضية، التي خلعت الحجاب، فور توليها السلطنة، وأصرت استخدام لقب سـلطـــان، وليس سلــــطانة، وقصرت شعرها، لتتغلب على المظاهر الأنثوية، رغم أنها كانت من أجمل نساء عصرها. أثبتت رضية جدارة، غير مسبوقة ولا ملحوقة، في التاريخ الإسلامي كله، فيقول عنها المؤرخ الهندي، منـــهج الدين بن سراج الدين، أنها كانت شديدة الذكـــاء والحكمة، كريمة الخلق، ومضرب الأمثال في العدل والإحسان، والعدالة الاجتماعية، والمساواة بين أفراد الشعب، والتسامح الديني مع الهندوس، بالإضافة إلى نبوغها في فنون الحرب والفروسية وقيادة الجيوش.


نحيت دراسة التاريخ جانبا، وتوقفت طويلاً أمام شخصية “السلــــطان” رضية، فلا يمكن أن يكون للرومانسية والحب مكانا عند امرأة تتخلى عن المظاهر الأنثوية، وتتفرغ لركوب الخيل وتعلم فنون القتال، ولكن، وللعجب، الحب كان بمثابة “كعب أخيل” لرضية. نقطة ضعف رضية كانت الأمير مالك، اختيار الدين والدنيا، الذي وقعت في حبه منذ طفولتها. بعد توليها الحكم،تزوجته واستعانت به في إدارة شؤون السلطنة، ولكن النبلاء حرضوه على التآمر عليها وإقصائها عن العرش. بالفعل، أسرها مالك، لفترة طويلة في سجن القلعة الشهير، ولكن الحب تغلب في النهاية، وأطلق سراحها، وحاول اعادتها للعرش، ولكن للأسف بعد فوات الآوان.


استغل النبلاء طول أسر السلطان رضية، ودعموا أخيها معز الدين برهام شاه، في قيادة جيش للاطاحة بأخته وزوجها، اللذان اضطرا للفرار في البرية، بعد أن خذلهم جنودهم، ووقعت رضية أسيرة للغوغاء، ولم يعثر على جثمانها. ورغم أن نهاية حياتها غير معروفة، فلا أشك أنها لم تختلف كثيرا عن نهاية حياة شجر الدر أو هيباتيا السكندرية.