خطيب الأنبياء شعيب عليه السلام “جزء 9”

الدكرورى يكتب عن خطيب الأنبياء شعيب عليه السلام “جزء 9”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

خطيب الأنبياء شعيب عليه السلام “جزء 9”

ونكمل الجزء التاسع مع خطيب الأنبياء شعيب عليه السلام، أي يتلفت خشية أن يدركه أحد من قوم فرعون، بعد أن قتل شخصا من أهل مصر دون قصد منه أثناء دفاعه عن أحد بني إسرائيل, وهو لا يدري إلى أين يتوجه، ولا إلى أين يذهب، وذلك لأنه لم يخرج من مصر قبل ذلك حتى ساقته قدماه إلى مدين فوجد هناك على مشارفها بئرا, ووجد الرعاء يسقون منها ماشيتهم, ووجد إمرأتين يقومان بحجز غنمهما عن غنم الرعاء حتى لا تختلط أغنامهم مع أغنام الرعاء, ووجدهما لا يسقون أغنامهم, بل يقفون بجوار البئر فقط ، فذهب إليهما موسى عليه السلام وسألهما عن حالهما وعن سبب وقوفهم بين الرجال عند البئر؟ فقالتا لا نقدر على أن نسقي أغنامنا إلا بعد إنتهاء الرعاء من سقاية أغنامهم, وذلك لضعفنا ولعجز أبينا عن فعل ذلك بسبب مرضه وكبر سنه.

فقال الله سبحانه وتعالى ” فسقي لهما” بشهامته ورجولته وكمال خلقه عليه السلام، وهنا يقول المفسرون أن الرعاء كانوا إذا فرغوا من سقاية أغنامهم وضعوا على فم البئر صخرة عظيمة فتأتيان تلك الفتاتان فيبدآن في سقاية غنمهما مما تبقى من ماء سقاية أغنام الناس لعدم قدرتهما على رفع غطاء البئر فلما كان ذلك اليوم جاء موسى عليه السلام فرفع تلك الصخرة وحده, ثم سقى لهما غنمهما ثم رد الحجر كما كان لوحده أيضا ودون مساعدة من أحد، وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه “وكان لا يرفعه إلا عشرة من الرجال وإنما استقى ذنوبا واحدا فكفاهما” فلما جاء موسى عليه السلام إلى أبيهما, قام أبوهما بمضايفته وإكرام مثواه, وقص عليه ما كان من أمره، فبشره بأنه قد نجا من فرعون بوجوده في مدين، وعند ذلك قالت إحدى البنتين لأبيها استأجره.

أي لرعي غنمك ثم مدحته بأنه قوي أمين ، وهنا يقول عمر بن الخطاب وعبدالله بن عباس رضي الله عنهما “لما قالت الفتاة ذلك قال لها أبوها وما علمك بهذا ؟ فقالت إنه رفع صخرة لا يطيق رفعها إلا عشرة من الرجال وأنه لما جئت معه لأوصله إليك, مشيت أمامه لأقوده إلى مكانك , فقال لي كوني من ورائي فإذا اختلف الطريق فاحذفي لي بحصاة في الإتجاه الذي تريدني الإنعطاف إليه لكي أعلم بها كيف الطريق” وعن عتبة بن الندر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال” إن موسى آجر نفسه بعفة فرجه وطعام بطنه ” فلما وفى الأجل، قيل يا رسول الله أي الأجلين ؟ قال ” أبرهما وأوفاهما ” وهنا نقول بأن الخوف ليس عيبا في الإنسان نهائيا, فها نحن نرى الخوف الفطري موجودا عند أنبياء الله سبحانه وتعالى، وقد يزول هذا الخوف في بعض المواقف.

لوجود أسباب معينة ولكن هذا لا ينفي وجود الخوف عند بني الإنسان عموما حتى لو كانوا من العاملين في دعوة الله سبحانه وتعالى, وأن هذا الخوف لا ينافي أبدا قوة الإيمان والطمأنينة بالله سبحانه وتعالى، وأن الله سبحانه وتعالى وحده هو القادر على نزع الخوف من قلوبنا وزرع الطمأنينة في القلب, حتى يعلمنا أننا فقراء إليه, ويحثنا على اللجوء إليه، وكما أنه لابد من الأخذ بالأسباب فهذا نبي الله موسى عليه السلام يخرج من مصر هربا من بطش فرعون ولم يقف في وجه البلاء, لأن الصواب هو عدم تمني البلاء وأن ندعوا الله بالعفو والعافية, فإن شاء الله لنا أن نواجه أحد أنواع البلاء, فعندها نصبر على هذا البلاء, ونجاهد في سبيل الله بالصبر عليه وإظهار الرضى الكامل بأقدار الله تعالي، ولقد كان السبب وراء ذهاب نبي الله موسي عليه السلام إلي أرض مدين هو أنه قام نبي الله موسى عليه السلام في أحد الأيام بالدخول إلى المدينة

فوجد فيها رجلين يقتتلان أحدهما من بني إسرائيل والآخر قبطي من آل فرعون، فطلب الرجل الذي كان من بني إسرائيل المساعدة والعون من موسى عليه السلام وتخليصه من شر القبطي، فما كان منه عليه السلام إلا أن عمد إلى ضرب القبطي فمات من لحظتها، ولو يقصد نبي موسى عليه السلام قتله وإنما إبعاده ودفعه فحسب، لذا حزن على ما فعل وأخذ باستغفار الله تعالى، وكان فرعون قد أمر جنوده بالبحث عن موسى والقبض عليه لقتله، فأصبح عليه السلام يسير في طرقات المدينة خائفا يترقب الأخبار، حتى جاء إليه رجل مؤمن من آل فرعون لكنه يكتم إيمانه ونصحه بالخروج من مصر لكي لا يتمكن الجنود منه، فأخذ موسى عليه السلام بنصيحة الرجل وخرج من مصر تجاه أرض مدين خائفا وداعيا الله تعالى أن يهديه الطريق وينجّيه من شر فرعون، وتجدر الإشارة إلى أن المسافة التي كان ينبغي له قطعها من مصر إلى مدين تبلغ مسيرة ثماني ليالي، ولم يكن موسى عليه السلام يأكل خلالها سوى البقل وأوراق الشجر.