التكنولوجيا في كرة القدم.. عدالة أم نهاية مُتعة الساحرة المستديرة؟

التكنولوجيا في كرة القدم.. عدالة أم نهاية مُتعة الساحرة المستديرة؟

منذ سنوات طويلة استمرت كافة عناصر كرة القدم تحت وطأة صافرة حكم المباراة وحدها، ولكن مع تحول اللعبة الشعبية الأولى في العالم إلى “صناعة متكاملة” تُضخ فيها ملايين الدولارات، أصبحت الصافرة وحدها غير كافية لضمان النزاهة والعدالة، لتبدأ التكنولوجيا رحلتها في ملاعب الساحرة المستديرة، مع كثير من التعديلات على القواعد الحاكمة للعبة.

وقبل أن نصل في 2021 إلى إيقاف المباريات من أجل إعادة مشاهدة الحكم للقطة من المباراة قبل احتساب القرار النهائي، كان هناك عشرات اللقطات المثيرة للجدل في تاريخ كرة القدم، ومن أوائل هذه اللقطات، تلك التي شهدها نهائي كأس العالم عام 1966 على ملعب ويمبلي بين المنتخبين الألماني ومضيفه الإنجليزي.

حينها انتهى الوقت الأصلي للمباراة بالتعادل 2-2 ليلجأ المنتخبان للأوقات الإضافية، والتي شهدت تسجيل إنجلترا لهدف ثالث أحرزه اللاعب جيوف هورست، واحتسبه الحكم على الرغم من عدم تجاوز الكرة لخط المرمى.

نجح وقتها أصحاب الأرض في إحراز هدف رابع ليتوجوا بكأس العالم الوحيدة لهم في تاريخ المنافسة، ولكن ظل هدفهم الثالث شاهداً على واحد من أبرز الأخطاء التحكيمية في تاريخ اللعبة.

إنجلترا أيضاً كانت على موعد مع خطأ تحكيمي آخر في بطولة كأس العالم عام 1986، ولكنها هذه المرة كانت الضحية، حين ساهمت يد مارادونا في استكمال الأرجنتين لمشوارها في البطولة على حساب الإنجليز، لتتحول لقطة هدف الأسطورة الأرجنيتية إلى أحد أشهر أخطاء التحكيم.

“يد مارادونا” لم تكن الحيلة الأخيرة التي يمارسها لاعب كرة قدم، إذ فعلها مهاجم فرنسا تيري هنري في تصفيات كأس العالم عام 2009، حين لمس الكرة بيده خلال مباراة فاصلة أمام أيرلندا، قبل أن يمرر الكرة لزميله جالاس الذي وضعها في الشباك، لتنهار أحلام الأيرلنديين، ويمر الفرنسيون لمونديال جنوب إفريقيا.

ومع تزايد محاولات اللاعبين للتحايل على الحكام، سواء للحصول على ركلة جزاء، أو ادعاء اعتداء من لاعب الفريق المنافس بحثاً عن إشهار بطاقة حمراء في وجهه، أو إيهام الحكام بتجاوز الكرة لخط المرمى، كان دخول التكنولوجيا إلى ملاعب كرة القدم أمراً لا مفر منه.

وكانت أولى التقنيات التكنولوجية دخولاً إلى ساحات القرار في كرة القدم، تقنية التعرف على تجاوز الكرة خط المرمى من عدمه، أو تقنية “عين الصقر” كما يسميها البعض.

عين الصقر

تستخدم هذه التقنية goal line technology في رياضات أخرى على غرار التنس، وتقوم على استخدام عدة كاميرات بزوايا مختلفة لتحديد ما إذا كانت كرة القدم قد تجاوزت خط المرمى أم لا، وذلك بمساعدة حقول مغناطيسية، حيث يتم إطلاق إشارة إلى ساعة الحكم إذا عبرت الكرة بكامل محيطها إلى داخل المرمى، وقد بدأ العمل بها في عام 2013.

تقنية الفيديو VAR

لم تكن “تقنية خط المرمى” كافية لإنهاء الجدل في ملاعب الساحرة المستديرة، وباتت الحاجة أكبر لتقنية تحسم بعض المواقف المستعصية الأخرى وتقلص الأخطاء التقديرية للحكام، ليبدأ اعتماد “حكم الفيديو المساعد” المعروف بـ”الفار” في مونديال روسيا عام 2018 بشكل رسمي، وذلك لمعالجة حالات محددة على غرار تأكيد أو إلغاء هدف.

كما يتم الاحتكام إليها عند احتساب ركلات الجزاء، أو إشهار البطاقة الحمراء، وبعض التفاصيل الأخرى، وأصبحت معتمدة الآن في كل المسابقات الدولية والمحلية الخاصة بالمنتخبات والأندية.

تقنية حكم الفيديو المساعد يراجع ركلة جزاء – REUTERS

وعلى الرغم من أن هذه التقنية تعتبر ثورة حقيقية في مجال كرة القدم، لمساهمتها في تقليل الأخطاء التحكيمية، مع توفر الإعادة التي تسمح للحكم بمراجعة قراراته، إلا أنها تواجه اتهامات من البعض بأنها تقتل متعة اللعبة الجماهيرية في العالم، بسبب البطء في اتخاذ القرارات أحياناً.

“تقنية الفار” في الملاعب الإنجليزية – Action Images via Reuters

التتبع الإلكتروني لأداء اللاعبين

ولم يقتصر استخدام التكنولوجيا على الأدوات التحكيمية المساعدة، ولكن ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية “أحزمة قياس”يرتديها اللاعبون لتتبع بياناتهم والتعرف إلى معلومات اللياقة البدنية الخاصة بهم، سواء في التدريبات أو حتى المباريات الرسمية.

وتعمل الأحزمة على جمع المعلومات للمساعدة في تجنيب اللاعبين العديد من المشكلات الصحية التي قد يتعرضون لها، مثل التعب والإجهاد البدني والعضلي، ومراقبة معدل ضربات القلب لتفادي ما يهدد صحتهم داخل وخارج الملعب.

المدرب الآلي

في عام 2019، ظهرت فكرة استبدال المدير الفني للفريق بـ”مدرب آلي”، وهو ما حدث بالفعل عندما عين فريق “وينجيت أند فينشلي” الإنجليزي، الذي كان يشارك في الدرجة السابعة حينها، مدرباً آلياً، بالتعاون مع شركة The Big Bang Fair.

وكان هذا المدرب الآلي، عبارة عن سماعة ذكية متوسطة الحجم، يستخدم المعلومات التي يوفرها الطاقم الفني له، ويعمل على تحويلها إلى خطة لعب، ووضع التشكيلة المناسبة للمباراة، إضافة إلى قدرته على تحفيز اللاعبين بعبارات ترفع المعنويات.

“إخفاق تكنولوجي”

آخر استخدام جديد للتكنولوجيا، كان اعتماداً مخيباً للآمال عليها في إجراء قرعة مباريات دوري أبطال أوروبا، إذ احتجت عدة أندية بسبب مخالفة المواجهات التي أسفرت عنها القرعة لقواعد االاختيار، وهو ما أكدته تصريحات رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ألكسندر تشيفرين حين قال: “حدث خطأ ما في البرنامج، اتصلنا بمزود البرامج، وتقرر إعادة سحب القرعة بالكامل”.

واختتم: “كنا نعتمد على التكنولوجيا، وربما يجب أن نقلل الاعتماد عليها، ما حدث هو إخفاق تكنولوجي وليس بشرياً”.