الدكرورى يكتب عن موقف الشرع من التيس المستعار ” جزء 2″
بقلم/ محمـــد الدكـــرورى
موقف الشرع من التيس المستعار ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثانى مع موقف الشرع من التيس المستعار، فإن التيس المستعار، هو المحلل وصاحب هذا التشبيه هو الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي لعن المحلل والمحلل له، والمحلل هو رجل تزوج من امرأة طلقها زوجها ثلاث مرات، فحرمت عليه، والغرض من هذا الزواج ليس الإقامة المستقرة الدائمة مع المرأة، وإنما تحليلها لمطلقها، وهذا النوع من الزواج هو أحد مكايد الشيطان وهي مكيدة التحليل، وبسبب هذا النوع من الزواج أصاب المسلمين العار، وعيرهم الكفار به، وأدى إلى فساد كبير، وهو زواج لا ترضى به النفوس الأبية، بل وتنفر منه نفورا شديدا، وترى أنه ليس بزواج صحيح، لأنه لو كان صحيحا لم لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعله.
فالزواج من سنة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وفاعل السنة مقرّب وليس بالملعون، لكن الملعون هو المحلل وهو المشبه بالتيس المستعار، وهو الذي سماه السلف الصالح بمسمار النار، وبسبب هذا النوع من الزواج تتبذل المرأة الحرة المصونة أمام المحللين، وتنظر المرأة هنا إلى محللها نظرة الشاة إلى السكين، التي سيذبحها بها الجزار، وتتمنى أن تموت قبل أن تعيش هذه اللحظة، ويتزوج المحلل من هذه المرأة، بلا زفاف ولا إعلان، وإنما بتكتم وتخف، لا جهاز ينقل، ولا فراش إلى بيت الزوجية يُحمل، ولا تهدى للعروس هدايا من صاحباتها، ولا وليمة تقام، ولا تزين لزوجها لليلة زفافها، ولا مهر تقبضه، ولا نفقة ولا كسوة تعطى لها، ولا عرس يقام للعروسين.
إنما يدفع المطلق المهر، ويقوم التيس بجماع مطلقته بأجر أو بلا أجر، وفي اللحظة التي يخلو بها هذا التيس المستعار، يكون المطلق والولي واقفين على الباب ينتظران إلى أن ينجسها هذا التيس بمائه الحرام، ويطيبها بلعنة الرسول صلى الله عليه وسلم ويسمى عرسهما بعرسِ التحليل، وهو عرس يفتقد إلى المودة والرحمة التي ذكرها الله في كتابه العزيز، والمحلل إما أن يكون قد قبض أجره سلفا، أو يبقي على المرأة عنده طويلا حتى يأخذ أجره، وعلى المرأة بعد أن ينتهي عرس التحليل أن تعترف بالذي حدث بينهما حتى يتم الطلاق، وحينما يسألها الشهود فلا تستطيع أن تنكر، فيأخذون الأجر منها أو من مطلقها وهم عادة من المستأجرين.
وإن الأدلة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم على بطلان هذا الزواج، هو ما روى عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال “لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له” وعن عقبةَ بن عامر رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا بلى، يا رسول الله، قال ” هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له” وهكذا فإن زواج التحليل باطل حتى ولو لم تعلم المرأة، فكيف لو تعاقدت واتفقت أطرافه عليه؟ وفى حديث رواه الإمام احمد أنه لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والمؤتشمة، والواصلة والموصولة والمحلل والمحلل له، وآكل الربا وموكله” وعن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم ” أنه لعن المحلل والمحلل له” رواه الإمام أحمد وأهل السنن،
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحلل فقال صلى الله عليه وسلم ” لا نكاح إلا نكاح رغبة، ولا نكاح دلسة، ولا مستهزئ بكتاب الله لم يذق العُسيلة” والعسيلة هى مصغر عسل، وأنث لأن العسل مؤنث، وقيل إنه يذكر ويؤنث، وقد اختلف في المراد بذلك، فقيل هو إنزال المني، وأن التحليل لا يكون إلا بذلك، وقيل ذوق العسيلة كناية عن المجامعة وهو تغيب الحشفة من الرجل في فرج المرأة، ويكفي منه ما يوجب الحد والصداق، وقيل إن العسيلة هي لذة الجماع، والعرب تسمي كل شيء تستلذه عسلا، وعن عمرو بن دينار، وهو من أعيان التابعين أنه سئل عن رجل طلق امرأته، فجاء رجل من أهل القرية بغير علمه ولا علمها.
فأخرج شيئا من ماله، فتزوجها ليحلها له، فقال لا، ثم ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم، سُئل عن مثل ذلك، فقال ” لا حتى ينكحها مرتغبا لنفسه، حتى يتزوجها مرتغبا لنفسه، فإذا فعل ذلك لم تحل له حتى يذوق العسيلة” وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا قال له امرأة تزوجتها أحلها لزوجها، لم يأمرني، ولم يعلم؟ قال “لا، إلا نكاح رغبة، إن أعجبتك أمسكتها وإن كرهتها فارقتها، وإن كنا لنعد هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفاحا” وعن عمر بنِ الخطاب رضي الله عنه أنه قال “لا أوتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما”
وفي رواية أخرى “لا أوتى بمحلل ولا محللة إلا رجمتهما” وعن عبدالملك بن المغيرة قال سُئل ابن عمر رضي الله عنهما عن تحليل المرأة لزوجها، فقال “ذاك السفاح” وعن بن شريك العامري قال سمعت ابن عمر رضي الله تعالى عنهما سُئل عن رجل طلق ابنة عم له، ثم رغب فيها وندم، فأراد أن يتزوجَها رجل يحللها له، فقال ابن عمر رضي الله عنهما “كلاهما زان، وإن مكث عشرين سنة أو نحو ذلك، إذا كان الله يعلم أنه يريد أن يحلها له”.