الدكرورى يكتب عن نبى الله ذو الكفل علية السلام ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبى الله ذو الكفل علية السلام ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثانى مع نبى الله ذو الكفل علية السلام، وقد بدأت قصة ذي الكفل عليه السلام حينما کبر نبي الله أليسع وقال في نفسه “لو أني استخلفت رجلا علی الناس فانظر کيف يحكم ويعدل بين الناس فإن کان عادلا رحيما جعلته خليفة علی الناس من بعدي” فقام وجمع الناس وقال “من يضمن لى أن يفعل ثلاثة أشياء أستخلفه من بعدی، فقال الناس وما هي ؟ فقال نبى الله أليسع عليه السلام” أن يصوم النهار ويقوم الليل ويعدل فلا يغضب فقام رجل بسيط وهو ذو الكفل، فقال أنا، فقال اليسع عليه السلام، أنت تصوم النهار وتقوم الليل، ولا تغضب؟ فقال ذو الكفل نعم، قال فردهم ذلك اليوم، وقال مثلها اليوم الأخر، فسكت الناس، وقام ذلك الرجل، فقال أنا، فاستخلفه فسماه الله ذا الكفل، لانه تكفل بأمر فوفی به.
فكان بعد ذلك من الأنبياء الذين أوحى الله تعالى إليهم، وهكذا قال أهل العلم إن ذا الكفل هو ابن نبى الله أيوب عليه السلام واسمه في الأصل بشر، وقد بعثه الله عز وجل بعد أيوب وسماه ذا الكفل لأنه تكفل ببعض الطاعات فوفي بها، وكان مقامه في الشام وأهل دمشق يتناقلون أن له قبرا في جبل هناك يشرف على دمشق يسمى قاسيون، إلا أن بعض العلماء يرون أنه ليس بنبي وإنما هو رجل من الصالحين من بني إسرائيل وقد رجح ابن كثير رحمه الله، نبوته لأن الله تعالى قرنه مع الأنبياء فقال عز وجل كما جاء فى سورة الأنبياء ” وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين، وأدخلناهم فى رحمتنا إنهم من الصالحين ” والقرآن الكريم بالرغم من ذكر اسم ذي الكفل في عداد الأنبياء، إلا أنه لم يذكر رسالته.
والقوم الذين أرسل إليهم فلم يتعرض لشيء من ذلك لا بالإجمال ولا بالتفصيل، ويقول بعض العلماء إن ذا الكفل الذي ذكره القرآن هو غير الكفل الذي ذكر في الحديث الشريف ونص الحديث كما رواه الأمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال “كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع عن ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت فقال لها ما يبكيك ؟ أكرهتك ؟ قالت لا ولكن هذا عمل لم أعمله قط وإنما حملتني عليه الحاجة، قال فتفعلين هذا ولم تفعليه قط ؟ ثم نزل فقال أذهبي بالدنانير لك، ثم قال والله لا يعصي الله الكفل أبدا فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه” قد غفر الله للكفل” وقد وصف ابن كثير هذا الحديث بالغريب.
ثم قال “وهذا الحديث لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، وإسناده غريب” هذا ما قاله ابن كثير والصواب أن الحديث رواه الترمذي في جامعه، باللفظ نفسه، وقد عقب الترمذي بعد أن روى الحديث بقوله هذا حديث حسن، وهذا فيما يتعلق بهذا الحديث من جهة السند، أما فيما يتعلق به من جهة المتن، فقد قال ابن كثير، وهكذا وقع في هذه الرواية الكفل، من غير إضافة، فالله أعلم، وعلى كل تقدير فلفظ الحديث الكفل، ولم يقل ذو الكفل، فلعله رجل آخر، والعجيب أن القرطبي روى الحديث نفسه بلفظ كان ذو الكفل من بني إسرائيل، ولا شك أن هذا وهم من القرطبي إذ لم يرد كذلك لا في راوية الإمام أحمد، ولا في رواية الترمذي، والمعول عليه عند التعارض والاختلاف في روايات الحديث.
ما جاء في كتب الحديث، لا ما جاء في كتب التفسير حيث إن المفسرين أحيانا يتساهلون في نقل الحديث، ولا يهتمون بضبط لفظه كما هو شأن المحدثين، ومهما يكن، فالذي ينبغي اعتقاده في حق الأنبياء عصمتهم من الوقوع في الذنوب والخطايا إذ لا يكون منهم ذلك، وهذا ما يدفع أن تكون هذه الرواية واردة في حق النبي ذي الكفل عليه السلام، بل الراجح ما ذكره ابن كثير من كون المراد رجلا آخر اسمه الكفل، كما هو نص الرواية، وليس ذا الكفل، كما جاء في رواية القرطبي، والذي ينبغي الوقوف عنده، والتعويل عليه في هذا الشأن، هو خبر القرآن الكريم، وقد وصف القرآن ذا الكفل عليه السلام بوصفين، وهو أنه من الصابرين، والصبر من شيم الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم من الصالحين، وأنه من الأخيار.