عبدالحى عطوان يكتب: ضاع الحلم والسجن فى الإنتظار 

عبدالحى عطوان يكتب: ضاع الحلم والسجن فى الإنتظار 

 

كان هدوءًا ثقيلًا يسيطر عليه،يشعره بأنه مكتوف الأيدى، فاقد التركيز ،خارج عن نطاق الزمن، دون وعى، يحسسه بأن كل لحظة تمر به هى بمثابة وقت يخرج عن قضبان عمره التى يسير عليها

وقفت تحدق فيه بنظراتها، فلم تعتاد ان تراه مهموًا هكذا، غائبًا عما يحيط به، فمنذ وقع بصرها عليه منذ أن كانت صبيه، باتت مغرمة به، تشدها ملامحه الجميله،وسامته، بنيته الطويله الممشوقه، شعره الأسود الكثيف،عينية الحادتين السوادوين، وجبهته البارزة ،طريقته المبهرة فى إختيار ملابسه التى تعطى وقعا عميقاً فى النفس لكل من تقع عيناه عليه ،

 

أقتربت منه بهدوء وهى تجمع شعرها الطويل خلف رأسها، نظرت إليه بعينيها شبه المغلقتين ،شعرت أنه فى مأساة كبيرة،فلم يكن هناك شيئاً واضحاً على ملامحه، تستطيع من خلاله ان تصل إلى ما به أو ما يدور فى فكره أو يجعله مهموماً إلى هذا الحد، فقد أدمنت صوته، وضحكته، وطريقة سرده ليومياته،أقتربت منه أكثر جلست أمامه فوق الأريكة المقابله ثم شرعت فى مداعباته، أو جرجرة الحوار معه، ليتحدث أبتسمت وهى تميل برأسها لتطل فى نظراته ،حاولت ملامسة يداه ، معانقته سألته، لعله ينطق بأى كلمات،

 

أبتعد بجسمه، وبوجهة قليلًا، حاول أن يشعل سيجارته، وقفت ثم أستدارت منحنية نحوه قائله ما بك تحدث إلى صمتك خلال الفترة الأخيرة يقودنى للجنون ،فأنا حبيبتك التى أعتدت أن ترمى بين أحضانها همومك أنا من أعتدت تناديها تؤامى، رفيقة عمرى، وسرى، ويومى، وضحكتى، وجنونى، هل نسيت أنا دره من الله ،أنا زهرة، بل كل البستان، هكذا كنت تردد إلى دائماً ،

 

حاول أن ينطق، يحكى إليها يبوح بما   يجثم فوق صدره، لكن تعلثمت الكلمات، أختنق كل شئ بداخله، سرح بذاكرته أسترجع أحلامه عندما باع كل ما يملك وأقترض قرضاً كبيراً ليتمكن من الشراء، تذكر عندما ذهب لذلك المكان لأول مره، ووقف منبهراً يتامل المساحات الشاسعة من الرمال الذهبية، التى تحتضنها الصحراء وخيوط الشمس الحارقه، الماء المنصب الذى يبدو للناظر باللون الأحمر البيت الريفى، ومزرعة المواشي، مساحات من الفواكه، والبصل، والخضراوات ،الجنة الخضراء

 

أنتفض من أحلامه ووقف لهاثًا حاول أن يجمع أفكاره المضطربه، سمع صوت هاتفه يرن، لم تسعفه يداه أن يقبض عليه رعشة شديدة أنتابت جسمه، حاول للحظة أن يبكى لكنه لم يستطع لعله كابوس لعين تمنى أن يأتى أحدهم ويركله ركله قويه لعله يفيق، فما يمر به لا يحدث إلا فى تلك الروايات الدراميه العبثية التى تفوق الواقع فى القصص والحكايات، حاول أن يهدى من نفسه أن يجلس أغمض عيناه بقوة فقد كان جفناه يرتعشان، فقد نصبوا شباكهم حوله، فلدية مبلغ كبير من المال أغروه أن يحقق ربحًا سريعًا يجعله يبدأ بداية قوية تحقق كل الأمنيات ،فوحده المال الذى يفتح الأبواب المغلقه فقد كذب من قال إن المال ليس غاية، أو أنه وسيلة ، فالحروب والأمنيات والأحلام والأمراض والقتل والتجارة والسياسة وحتى النساء كل تلك الأشياء يتحكم فيها المال أحلامه الجامحة وطبيعة الأيام جعلته لا يرى شيئًا سوى النفوذ والقوة والمال،

 

وبعد صراع طويل بينه وبين نفسه، أقترب منها قليلًا ،وقف أمامها وكأنه يستنجد بها، تمنى أن ينسي اليوم ،الزمن، أرتمى بين أحضانها نظر إليها صرخ بصوت عالى ،لقد ضاع كل شئ فقد خسرت كل أموالى لدى نصاب ،هرب بتحويشة عمرى، ومبلغ القرض، وحصيلة بيع الممتلكات، وأموال بلهاء أخريين مثلى، فقد بات الموت ينتظرنى أما جوعًا أو خلف القضبان، حاولت أن تهدئ من روعه تطبطب على كتفيه، تقول أى شئ، ولكنها لم تستطع فوقفت صامته عاجزة، فقد كانت الكارثة أكبر من قدرة الإحتمال بل لم يدم حضنها طويلاً فقد سقط مغشياً عليه ولاجت هى بالصراخ،