الدكرورى يكتب عن نبي الله لوط عليه السلام ” جزء 6″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله لوط عليه السلام ” جزء 6″
ونكمل الجزء السادس مع نبي الله لوط عليه السلام، وهكذا كانت قصة نبي الله لوط عليه السلام مع قومه، الذين ابتدعوا فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من بني آدم، ألا وهي اللواط، وهو إتيان الذكران من العالمين، فكم في ممارسة اللواط من وقاحة، وانتكاس فطرة، فلما انتشرت هذه العادة الخبيثة بينهم دعاهم لوط عليه السلام إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي هذه المحرمات، والفواحش والمنكرات، والأفاعيل المستقبحات لكنهم لم يرتدعوا، ولم ينفع فيهم دعوة نبيهم لوط عليه السلام، فتمادوا في طغيانهم، وبقوا على ضلالهم، واستمروا في فجورهم وكفرانهم، فلما رأى الله عز وجل منهم ذلك، وأنه لا فائدة معهم، أحل بهم من البأس، الذي لم يكن في خلدهم وحسبانهم، وجعلهم مثالة في العالمين، وعبرة يتعظ بها الألباب من العالمين.
ولقد كانت أهم قضية في دعوة لوط عليه السلام، هي هذه القضية لأن قومه لو استجابوا له في دعوته إلى الإيمان بالله، وعدم الإشراك به، لما كان لاستجابتهم أي معنى، إذا لم يقلعوا عن عاداتهم الخبيثة، التي اجتمعوا عليها، ولم يتستروا من فعلها، بل أصبحت جزءا من نظام حياتهم، ولهذا كانت دعوة لوط عليه السلام منصبه على هذه الظاهرة، وهنا أمر لا بد من التنويه إليه، وهو أن كل نبي بعثه الله تعالى لهداية قومه، ما بعث إلا لإصلاح ما فسد من أخلاقهم وعاداتهم، وهذا يقتضي أن يتصدى النبي صلى الله عليه وسلم لعلاج ومواجهة أخطر المشكلات، مهما كلفه ذلك من تضحيات، فهل يفقه الدعاة إلى الله عز وجل هذه اللفتة، ويأخذها عبرة ودرسا من نبي الله لوط عليه السلام، وقيل أنه عندما وصل الملائكة إلى نبى الله لوط عليه السلام.
وهو يعمل في أرض له، فقالوا إنا ضيوفك الليلة، وهو لا يعلم أنهم ملائكة لأنهم جاؤوا على صور بشر، لكنه تضايق أشد الضيق عليه السلام، وذلك لأنهم كانوا حسان الوجوه، وخاف عليهم من اعتداء قومه عليهم، وواجب الضيافة يحتم عليه أن يحميهم من كل أذى، فانطلق بهم عليه السلام فلما بصرت بهم زوجة لوط عليه السلام، وكانت امرأة سيئة على أخلاق قومها، ذهبت وأخبرت القوم، فانتشر الخبر، على أنه قد نزل رجال حسان ضيوفا على لوط، فأسرعوا إلى بيته، وتجمهروا حوله، يبتغون الفاحشة من ضيوفه، فراح لوط عليه السلام، يمانع قومه، ويدافعهم والباب مغلق، وهم يريدون فتحه وولوجه فلما آيس منهم، فقال عليه السلام كما جاء فى سورة هود ” قال لو أن لى بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد ” ومن هنا قد أخرج البخاري في صحيحه.
عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال “يرحم الله لوطا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد” أي أن الملائكة كانوا معه، وهو لا يعلم، وعندما علم لوط عليه السلام أنه في حضرة الملائكة، وأن ركنه شديد، فاطمأنت نفسه، وذهب عنه القلق، وقام جبريل عليه السلام، فضرب وجوههم خفقة، بطرف جناحه، فطمست أعينهم، فقال الله تعالى ” ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا على أعينهم فذوقوا عذابى ونذر، ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر ” ويبدو أن لوط عليه السلام سأل الملائكة استعجال العذاب، فأجابوه بقوله تعالى “إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ” بلى إنه قريب، ووعد الله حق لا ريب فيه، وكل شيء عنده بمقدار، ولن يتأخر موعد هلاكهم أو يتقدم لحظة واحدة، وقد حدده من قبل أن يكون عند شروق الشمس.
وخرج لوط عليه السلام من القرية الظالم أهلها، ومعه أبناؤه، أما زوجته، فكانت من الهالكين، وقد خرج لوط في جنح الليل، وترك وراءه المال والمتاع، ولم يلتفتوا، أو يندموا على ما حل بقومهم، فقال الله تعالى فى سورة هود” ولا يلتفت منكم أحدا إلا إمرتك إنه مصيبها ما أصابهم ” وجاء وعد الله تعالى، وخلال ثوان معدودات، جاءت الصيحة، وسقطت البلدة، وجعل الله عاليها سافلها، وأرسل عز وجل مطرا من حجارة صلبة، فأهلك القوم كلهم جزاء وفاقا، وجعل الله مكان تلك البلاد بحيرة منتنة، لا ينتفع بمائها، ولا بما حولها من الأراضي، وهي التي تعرف اليوم بالبحر الميت، ويرى بعض العلماء أن البحر الميت لم يكن موجودا قبل هذا الحادث، وإنما حدث من الزلزال الذي جعل عالي البلاد سافلها، وصارت أخفض من سطح البحر بنحو أربعمائة متر.