نبي الله داود عليه السلام ” جزء 17″

الدكرورى يكتب عن نبي الله داود عليه السلام ” جزء 17″

بقلم / محمـــد الدكـــــرورى

نبي الله داود عليه السلام ” جزء 17″

ونكمل الجزء السابع عشر مع نبي الله داود عليه السلام، وإن من الدروس الاقتصادية أيضا هو تفاوت الناس في الأرزاق، وهذا راجع إلى علم الله سبحانه وتعالى، وحكمته، فليس الخير دائما في الغنى، وليس الشر في الفقر، بل الخير في الرضا بقسم الله تعالى واختياره، فقال الله تعالى فى سورة الإسراء ” إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس” رواه أحمد والترمذي والبيهقي, وفي هذه القصة ظهر هذا التفاوت بين الخصمين اللذين تخاصما إلى نبى الله داود عليه السلام، ومن الدروس الاقتصادية أيضا هو أن الغنى الطاغي صاحبه قد يسوقه إلى الطمع وعدم القناعة، وإلى ظلم الآخرين والواجب على المسلم إذا أعطاه الله سبحانه وتعالى، الغنى أن يشكر الله تعالى.

ويقنع بما أعطي، ويتقي ظلم الناس والتعدي على أموالهم وحقوقهم، فأحد الخصمين اللذين احتكما إلى داود ملك تسعا وتسعين نعجة ومع ذلك لم يقنع، بل أراد أخذ نعجة أخيه التي لا يملك غيرها، ومن الدروس الاقتصادية أيضا هو أن الشركة في الأموال مظنة الظلم، إلا إذا كان الشركاء يراقبون الله تعالى، وبُنيت الشراكة بينهم على أسس شرعية ومالية وإدارية صحيحة، وهنا قال نبى الله داود عليه السلام للخصمين كما جاء فى سورة ص ” قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغى بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم ” فكان عليه السلام طاهرا ونقي القلب، جمع الله له الملك والنبوة، بين خيري الدنيا والآخرة، وكان الملك يكون في سبط والنبوة في آخر فاجتمعا في داود عليه السلام.

وكان عليه السلام فتي صغيرا من بني إسرائيل، وجنديا شجاعا من جنود طالوت، وكان جالوت ملكا قويا جبارا وقائدا مخوفا، وعندما تقابل الجيشان في الميدان نادى جالوت بأعلى صوته هل من مبارز؟ فلم يخرج من بنى إسرائيل أحد حتى خرج داوود من بين الصفوف وتصدى له، وكان ماهرا في رمي المقلاع، وكان معه خمسة أحجار، فرماه بالحجارة بمقلاعه فوقعت بين عينيه فقتلته، حيث أراد سبحانه وتعالي أن يجعل مصرع هذا الجبار جالوت علي يد هذا الفتى الصغير، فقال ابن كثير فيه دلالة علي شجاعة داوود عليه السلام، برغم صِغر سنه، أنه قتل جالوت قتلا أذال الله تعالى به جنده وكسر جيشه، ولا أعظم من غزوة يقتل فيها قائد الجيش، فتغنم بسبب ذلك الأموال الجزيلة، ويصبح الأبطال والشجعان والأقران أسرى، وتعلو كلمة الإيمان على الأوثان.

ويظهر الدين الحق على الباطل وأوليائه، وإن من معجزات داوود عليه السلام، أن الله عز وجل منّ عليه أن ألان له الحديد حتى كان يفتله بيده دون أن يحتاج إلي نار ولا مطرقة، حيث كان يتقن صنع الدروع منه، ليحصن المقاتل من الأعداء، وكأنه قطعة من القماش، ولقد أرشده الله إلي صنعتها وكيفيتها، وقد ثبت في الحديث “أن أطيب ما أكل الرجل من عمل يده، وأن نبي الله داوود عليه السلام كان يحب أن يأكل من عمل يده مثل باقي أنبياء الله، فكان يصنع كل يوم درعا يبيعها” وقال النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم “كان داوود أعبد البشر” رواه مسلم، وقال النبي صلي الله عليه وسلم أيضا “أحب الصلاة إلي الله صلاة داوود، وأحب الصيام إلي الله صيام داوود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، ويصوم يومًا ويفطر يوما” متفق عليه.

وعن قيام داود عليه السلام الليل، قيل كانت له ركعة من الليل يبكي فيها نفسه، ويبكي ببكائه كل شيء ويصرف بصوته الهموم والأحزان، وقال ابن كثير كان لا يمضي ساعة من آناء الليل وأطراف النهار إلا وأهل بيته في عبادة ليلا أو نهارا، كان داود هو المقتدي به في ذلك الوقت في العدل وكثرة العبادة وأنواع القربات إلى الله، وقد قال بعض العلماء هذا الخصمان من الملائكة، وأن الله تعالى أرسلهم لنبى الله داود ليختبره، وهنا يذكر الإسرائيليون قصة غريبة عجيبة، منكرة فظيعة سيئة لا تليق بنبى الله داود عليه السلام أبدا، فيقولون “إن داود كان له تسعة وتسعون امرأة، وأن هناك رجل كان عنده امرأة واحدة، وإن داود أعجب بجمالها، وإنه أرسل زوجها في جيش جعله في المقدمة ليموت حتى يرث زوجته من بعده، ويضمها إلى التسعة والتسعين التي عنده فتصبح مائة”