المحلل: بين الحل والحرمة
بقلم صفاء الليثي
المحلل: بين الحل والحرمة
يُعدّ موضوع “المحلل” من القضايا الشرعية التي تثير الكثير من الجدل والنقاش في المجتمع الإسلامي، وهو يرتبط ارتباطًا وثيقًا بأحكام الطلاق والزواج. لفهم هذه المسألة بشكل دقيق، يجب أن نعود إلى أصولها في الشريعة الإسلامية.
ما هو “المحلل”؟
في الإسلام، إذا طلق الرجل زوجته ثلاث طلقات، فإنها تصبح مُحرمة عليه، ولا يجوز له الزواج بها مرة أخرى إلا بعد أن تنقضي عدتها، وتتزوج برجل آخر زواجًا صحيحًا ودون اتفاق مسبق، ثم يطلقها هذا الزوج أو يموت عنها. بعد ذلك، يمكن للزوج الأول أن يعود للزواج منها مرة أخرى.
لكن ما يحدث أحيانًا، هو أن يقوم الزوج الأول بالاتفاق مع رجل آخر، يُسمى “المحلل”، ليتزوج من مطلقته زواجًا صوريًا، بغرض أن يطلقها في غضون أيام أو ساعات، حتى يتمكن الزوج الأول من الزواج بها مرة أخرى.
حكم “المحلل” في الشريعة
هذا النوع من الزواج، الذي يُعرف بـ”زواج التحليل”، مُحرم في الشريعة الإسلامية بالإجماع، وقد وردت فيه أحاديث نبوية صريحة تُبين حرمته.
* القرآن الكريم:
قال تعالى في سورة البقرة: {فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 230].
الآية الكريمة تشترط أن يكون زواجها من الزوج الثاني زواجًا حقيقيًا، وليس زواجًا صوريًا بقصد التحليل.
* السنة النبوية:
لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم “المحلل” و”المحلل له”.
روى الإمام الترمذي وغيره عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لعن الله المحلل والمحلل له”.
هذا الحديث الشريف يبين أن هذا الفعل ليس مجرد مكروه، بل هو كبيرة من الكبائر، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم “المحلل” بـ “التيس المستعار”، وهي كناية عن الرجل الذي يستخدمه الزوج الأول لتحقيق غايته، مما يدل على قبح هذا الفعل في الشرع.
الحكمة من تحريم “المحلل”
تحريم زواج التحليل له حِكَمٌ بالغة، منها:
* الحفاظ على قدسية الزواج: الزواج في الإسلام ميثاق غليظ، وليس لعبة يتم استخدامها لتحقيق غايات معينة. زواج التحليل يحول الزواج إلى مجرد وسيلة، مما يهدم قدسيته.
* عقاب للرجل المتسرع في الطلاق: عندما يطلق الرجل زوجته للمرة الثالثة، فإنه يجب أن يشعر بندم حقيقي، وأن يكون هناك عقاب لتهوره وتسرعه في هدم الأسرة. تحريم “المحلل” يجعل الزوج يدرك أن قراره بالطلاق الثالث له عواقب وخيمة، مما يجعله أكثر حكمة في التعامل مع الحياة الزوجية.
* صيانة حقوق المرأة: زواج التحليل يضر بالمرأة، حيث يجعلها أداة لتحقيق مآرب الزوج الأول، وقد تتعرض للإهانة والاستغلال.
باختصار، زواج “المحلل” ليس وسيلة مشروعة للعودة إلى الزوجة المطلقة ثلاثًا، بل هو فعل محرم شرعًا، لما فيه من تحايل على أحكام الله، وإهدار لقدسية الزواج، وإضرار بالمرأة.