#دانجوتي يرد على الجدل حول أكبر مصفاة نفط بإفريقيا

#دانجوتي يرد على الجدل حول أكبر مصفاة نفط بإفريقيا

ظهر الملياردير النيجيري أليكو دانجوتي إلى واجهة النقاش الاقتصادي في بلاده، مع تصاعد الجدل حول أكبر مصفاة نفط في إفريقيا، التي جرى الترويج لها بوصفها حجر الزاوية في حل أزمة الوقود المزمنة، وتقليص الاعتماد التاريخي على الواردات، بينما تتمسك الحكومة باعتبار المشروع إنجازًا استراتيجيًا، تتسع دائرة الانتقادات الشعبية والاقتصادية، لتطرح أسئلة تتجاوز المصفاة ذاتها إلى نموذج التصنيع المحلي ككل.

 

ولا ينفصل الجدل الحالي عن المسيرة الصناعية الطويلة لدانجوتي، الذي انتقل من الأسمنت إلى السكر، ثم إلى قطاع الطاقة، رافعًا شعار الاكتفاء الذاتي وتعميق التصنيع المحلي، غير أن هذا النموذج بات محل تساؤل متزايد، في ظل مفارقات لافتة تتعلق بالأسعار، وهيمنة السوق، وحدود دور القطاع الخاص في إدارة أصول استراتيجية، يفترض أن تخدم الاقتصاد الوطني والمستهلك المحلي، بحسب موقع بيزنس إنسايدر ، السبت 20 ديسمبر 2025.

 

تناقض الأسعار يفتح باب التساؤلات

 

يتمثل أحد أبرز محاور الجدل في الفارق السعري بين منتجات دانجوتي داخل نيجيريا وخارجها، خاصة في قطاع الأسمنت. ففي الوقت الذي يشكو فيه المواطنون من ارتفاع الأسعار محليًا، تظهر البيانات أن المنتجات ذاتها تُباع بأسعار أقل في أسواق التصدير، ما أثار انتقادات واسعة حول عدالة التسعير وجدوى التصنيع المحلي.

 

هذا التناقض أعاد طرح سؤال جوهري حول ما إذا كانت الصناعات الوطنية تحقق بالفعل هدفها في خفض التكاليف على المستهلك المحلي، أم أنها باتت أسيرة منظومة اقتصادية تُحمّل السوق الداخلية أعباء تفوق قدرتها.

 

دانجوتي: الضرائب السبب لا الشركات

 

في رد مباشر على هذه الانتقادات، أكد دانجوتي أن الفارق السعري لا يعود إلى سياسات تجارية انتقائية، بل إلى العبء الضريبي والتنظيمي المرتفع داخل نيجيريا، موضحًا أن التصدير يتيح لشركته تجنب مجموعة كبيرة من الضرائب التي تُفرض على الإنتاج المحلي.

 

وأشار إلى أن بيع الأسمنت خارج البلاد يعفيه من ضريبة الدخل، ورسوم التعليم، ورسوم الصحة، وضريبة القيمة المضافة، وضريبة الاستقطاع، وهو ما ينعكس مباشرة على تكلفة الإنتاج النهائية، ويجعل السعر الخارجي أقل من السعر المحلي.

 

خلل هيكلي في الإطار الاقتصادي

 

بحسب دانجوتي، فإن الإطار المالي الحالي في نيجيريا يخلق مفارقة غير منطقية، حيث يصبح بيع المنتج المصنّع محليًا في الخارج أوفر من بيعه داخل السوق الوطنية، ويرى أن هذا الخلل لا يعكس فشلًا صناعيًا، بقدر ما يكشف عن قصور هيكلي في السياسات الاقتصادية والتنظيمية.

 

وأوضح أن تخفيف هذه الأعباء من شأنه تمكين المنتجات النيجيرية من المنافسة العادلة في الأسواق العالمية، أمام دول مثل تركيا وروسيا والصين، التي تعتمد سياسات أكثر دعمًا للصناعة المحلية.

 

المستهلك يدفع ثمن السياسات

 

تكشف تجربة دانجوتي، وفق خبراء، كيف يمكن للسياسات العامة أن تُقوّض أهداف التصنيع المحلي، حين تتحول الضرائب والرسوم المتعددة إلى عبء يُنقل في نهاية المطاف إلى المستهلك. فبدل أن يكون الإنتاج المحلي أداة لخفض الأسعار، يصبح عاملًا إضافيًا في ارتفاعها.

 

ويؤكد دانجوتي أن معالجة هذه الإشكالية تتطلب إصلاحًا شاملًا لبيئة الأعمال، وليس الاكتفاء بانتقاد الشركات أو تحميلها مسؤولية أزمات تتجاوز نطاقها.

 

مصفاة النفط.. الحل الذي فجّر الخلاف

 

انتقل الجدل ذاته بقوة إلى قطاع الطاقة، مع بدء تشغيل مصفاة دانجوتي، أكبر مصفاة نفط في إفريقيا، التي صُممت لتقليص الاعتماد على الوقود المستورد، وإنهاء طوابير البنزين التي رافقت نيجيريا منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي.

 

ويرى دانجوتي أن المصفاة تمثل استجابة مباشرة لفشل تاريخي استمر لعقود، عبر تعزيز الإمدادات المحلية، وتخفيف الضغط على احتياطيات النقد الأجنبي، وخلق آلاف فرص العمل، إلى جانب دعم استقرار سوق الطاقة.

 

مخاوف الاحتكار وهيمنة السوق

 

رغم ذلك، واجه المشروع معارضة من أطراف متعددة، عبّرت عن مخاوف تتعلق بتركيز أصل استراتيجي بهذا الحجم في يد القطاع الخاص، وما قد يترتب عليه من قوة تسعيرية وهيمنة محتملة على السوق.

 

كما أشار منتقدون إلى أن أسعار الوقود لم تنخفض بالوتيرة أو الحدة التي كان يتوقعها الشارع، ما أعاد فتح النقاش حول جدوى المشروع على المدى القصير، وحدود تأثيره الفوري في حياة المواطنين.

 

دانجوتي يدافع: أزمة منذ عقود

 

في مواجهة هذه الانتقادات، شدد دانجوتي على أن معالجة أزمة متجذرة منذ عام ألف وتسعمائة واثنين وسبعين لا يمكن أن تُقاس بمعايير آنية. وأكد أن نيجيريا عانت لعقود من طوابير الوقود، وأن أي خطوة جادة لإنهاء هذا الإرث يجب أن تُقابل بالدعم لا التشكيك.

 

واعتبر أن التركيز على السلبيات يتجاهل المكاسب الهيكلية طويلة الأجل التي يوفرها المشروع للاقتصاد الوطني.

 

معركة الاستيراد والإنتاج المحلي

 

وتطرق دانجوتي إلى ما وصفه بالاعتماد المفرط على الاستيراد كأداة لضبط الأسعار، معتبرًا أن هذه السياسة تقوض فرص بناء صناعة طاقة وطنية قوية. ويرى أن الحل لا يكمن في كبح الاستثمارات المحلية، بل في فتح المجال أمام مزيد من المستثمرين للدخول إلى قطاع التكرير والطاقة.

 

وأوضح أن زيادة عدد المستثمرين من شأنها خلق توازن طبيعي في السوق، وتعزيز المنافسة، وتقليص المخاوف المرتبطة بالهيمنة أو الاحتكار.

 

أزمة بيئة استثمار لا أزمة مشروع

 

في المجمل، تعكس تصريحات دانجوتي رؤية تعتبر أن جذور الأزمة الاقتصادية في نيجيريا لا تكمن في مشروع بعينه، بل في البيئة التي يعمل ضمنها. فارتفاع تكاليف التشغيل، وتعدد الضرائب، وغياب السياسات المستقرة، كلها عوامل تُضعف أثر التصنيع المحلي مهما بلغت ضخامته.

 

وفي ظل استمرار هذه الاختلالات، سيبقى التناقض قائمًا بين صادرات أرخص ومشاريع محلية مثيرة للجدل، ما لم تُقابل الاستثمارات الكبرى بإصلاحات هيكلية شاملة تعيد التوازن بين الدولة، والقطاع الخاص، والمستهلك.