الدكرورى يكتب عن الأمة الإسلامية والحفاظ على هويتها ” جزء 8″
بقلم / محمـــد الدكـــروى
ونكمل الجزء الثامن مع الأمة الإسلامية والحفاظ على هويتها، ومن ابرز الأساليب للحفاظ على الهوية الإسلامية، هو التعلق بالله عز وجل والاستعانة والاستعاذة به، وسؤاله الهداية والثبات والممات على دين الإسلام من غير تبديل ولا تغيير، والثقة بمنهج الله ووعده وحكمه وأوامره، واليقين به ومراقبته، والشعور بالمسؤولية عن حفظ الدين من شبهات المغرضين، وعدم خلطه بالباطل، وتلقي العلم عن العلماء الربانيين، وإرجاع المسائل المشكلة إليهم ليحلوها ويوضحوا ما أبهم على صاحبها، فلا يستعجل في قبول فكرة أطلقها من لا يؤمن فكره، ولا يبقي تلك الشبهة في صدره حتى تعظم، بل ينبغي عليه أن يضبط نفسه بالرجوع للراسخين من أهل العلم فإن الله تعالى يقول فى سورة النحل ” فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون”
وأيضا البناء الذاتي بمعرفة مصادر التلقي، ومناهج الاستدلال الصحيحة، وملء القلب بنور الوحي من الكتاب والسنة، مع ملازمة إجماع أهل السنة والجماعة، وكذلك التعلق بكتاب الله قراءة وفقها وتدبرا وعملا، ولو أقبل الخلق على كتاب الله والانتهاج بنهجه، لأجارهم سبحانه وتعالى من الفتن، فالقرآن شفاء لما في الصدور، ومن يعرض عنه فسيصيبه من العذاب بقدر ابتعاده عنه، وأيضا تكثيف البرامج التوجيهية، وأخص بالذكر وسائل الإعلام بشتى أصنافها، ومحاولة زرع الثقة في قلوب المسلمين بالاعتزاز بدينهم وعقيدتهم، وكذلك إنشاء مراكز الأبحاث والدراسات المعنية برصد الانحرافات الفكرية، والتعقيب عليها بتفنيد الشبه، والجواب عن الشكوك والإثارات.
التي تخرج من بعض المارقين من قيم الإسلام ومبادئه، والجهاد الفكري ضدها، من منطلق قوله تعالى فى سورة الفرقان ” وجاهدهم به جهادا كبيرا” وأيضا التربية للنشء بما يرضي الله، والتحاور معه بتبيين فساد شبهات أهل الزيغ والهوى، مع قوة الإقناع، وأدب الحوار، فالتنشئة الصحيحة على التحصين العقدي هي أول عملية في التربية، فإن الواجب على المسلمين في كل مكان ليس المحافظة على الهوية الإسلامية فحسب، بل الواجب عليهم الدعوة إليها بالحكمة، والموعظة الحسنة، ونشرها في كافة أصقاع الدنيا لأنها مستمدة من ديننا القويم، وهو أشرف الأديان، وخاتمها، وإذا كان غيرنا من المجتمعات غير المسلمة يفتخر، ويعتز بهويته أيما اعتزاز، وهي هوية جلها ممسوخ من الأخلاق.
والقيم الفاضلة، فنحن أحق بالافتخار، والاعتزاز بهويتنا، التي هي فعلا متميزة لأنها معتمدة على أصول ربانية، وتتماشي مع الأخلاق، والقيم، والفضائل السامية، والفطر، والعقول السليمة، قد ترى في المجتمعات غير المسلمة قوة، وصلابة تمسكهم، ومحافظتهم على هويتهم التي يتميزون بها من عادات، وتقاليد، وطقوس ورثوها من أسلافهم، وقد تشعر في بعض ما يعتزون ويفتخرون به، بل ويقدسونه عجائب، وغرائب قد يصل في بعضها إلى السخافة، والتفاهة، ولكن على الرغم من ذلك تجدهم متمسكين بها، ويصرون على إبرازها، وتخليدها بكل الوسائل المتاحة، وإن الحديث عن الهُوية الإسلامية في الواقع المعاصر، ليس مِن قبيل الترف الفكري، أو الفراغ الوقتي.
الذي يُقضى كيفما اتفق بل إنه أصبح من الأساسيات التي ينبغي أن يتوفر عليه جُهد النخبة الواعية المثقّفة من أبناء الأمة، وذلك لأن الأمم لا تحيا بدون هُوية إذ الهُوية بالنسبة للأمة بمثابة البصمة التي تميزها عن غيرها، وهي أيضا الثوابت التي تتجدد، ولكنها لا تتغير، ولا يمكن لأمة تريد لنفسها البقاء والتميز أن تتخلى عن هويتها، فإذا حدث ذلك فمعناه أن الأمة فقدت استقلالها وتميزها، وأصبحت بدون محتوى فكري، أو رصيد حضاري، ومن ثم تتفكك أواصر الولاء بين أفرادها، وتتلاشى شبكة العلاقات الاجتماعية فيها، والنتيجة المحتمة هي السقوط الحضاري المدوي، بل وتداعي الأمم عليها كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فتأكل خيرها، وتغزو فكرها، وتطمس معالم وجودها، وتمحو أثرها من ذاكرة التاريخ.