الدكرورى يكتب عن أبرهة بن الصباح الحبشي ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
أبرهة بن الصباح الحبشي ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثانى مع أبرهة بن الصباح الحبشي، لكن قريشا تهيبت من هدم الكعبة، وخشيت أن يحل عليهم بذلك سخط الله عز وجل، فقال لهم الوليد بن المغيرة” أنا أبدؤكم في هدمها، فأخذ المعول وبدأ بالهدم وهو يقول اللهم لم نزغ، ولا نريد إلا الخير، فهدم من ناحية الركنين، فترقب الناس ليلتهم ليروا هل أصاب الوليد بن المغيرة شر بسبب ما فعل ؟ فلما رأوه يغدو عليهم لا بأس به، قامو إلى الكعبة فأكملوا هدمها، حتى لم يبق منها إلا أساس الخليل إبراهيم عليه السلام، ثم تلى ذلك مرحلة البناء، فتم تقسيم العمل بين القبائل، وتولت كل واحدة منها ناحية من نواحي الكعبة، فجعلوا يبنونها بحجارة الوادي، ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود دب الشقاق بين قبائل قريش.
فكل يريد أن ينال شرف رفع الحجر إلى موضعه، وكادوا أن يقتتلوا فيما بينهم، حتى جاء أبو أمية بن المغيرة المخزومي فاقترح عليهم أن يحكموا فيما اختلفوا فيه أول من يدخل عليهم من باب المسجد الحرام، فوافقوا على اقتراحه وانتظروا أول قادم، فإذا هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وما إن رأوه حتى هتفوا هذا الأمين، رضينا، هذا محمد، وما إن انتهى إليهم حتى أخبروه الخبر، فقال لهم صلى الله عليه وسلم” هلمّ إلي ثوبا” فأتوه به فوضع الحجر في وسطه ثم قال صلى الله عليه وسلم” لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا” ففعلوا، فلما بلغوا به موضعه، أخذه بيده الشريفة ووضعه في مكانه، ولما كانت قريش قد عزمت على بناء الكعبة من حلال أموالها.
فقد جمعت لهذا الأمر ما استطاعت، إلا أن النفقة قد قصرت بهم عن إتمام بناء الكعبة بالمال الحلال الخالص، ولهذا أخرجوا الحِْجر وهو الحطيم، ويقال حجر إسماعيل من البناء، ووضعوا علامة تدل على أنه من الكعبة، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للسيدة عائشة رضي الله عنها ” ألم تري أن قومك قصرت بهم النفقة ؟ ولولا حدثان قومك بكفر لنقضت الكعبة، وجعلت لها بابا شرقيا وبابا غربيا، وأدخلت فيها الحجر” ولما جاء عهد عبد الله ابن الزبير رضي الله عنه، قرر أن يعيد بناء الكعبة على نحو ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حياته، فقام بهدمها، وأعاد بناءها، وزاد فيها ما قصرت عنه نفقة قريش وكان حوالي ستة أذرع.
وزاد في ارتفاع الكعبة عشرة أذرع، وجعل لها بابين أحدهما من المشرق والآخر من المغرب، يدخل الناس من باب ويخرجون من الآخر، وجعلها في غاية الحسن والبهاء فكانت على الوصف النبوي الشريف كما أخبرته بذلك خالته السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وفي عهد عبدالملك بن مروان كتب الحجاج بن يوسف الثقفي إليه فيما صنعه ابن الزبير في الكعبة، وما أحدثه في البناء من زيادة، وظن أنه فعل ذلك بالرأي والاجتهاد، فرد عليه عبدالملك بأن يعيدها كما كانت عليه من قبل، فقام الحجاج بهدم الحائط الشمالى وأخرج الحِجْر كما بنته قريش، وجعل للكعبة بابا واحد فقط ورفعه عاليا، وسد الباب الآخر، ثم لما بلغ عبدالملك بن مروان.
حديث السيدة عائشة رضي الله عنها ندم على ما فعل، وقال” وددنا أنا تركناه وما تولى من ذلك” وأراد عبدالملك أن يعيدها على ما بناه ابن الزبير، فاستشار الإمام مالك في ذلك، فنهاه خشية أن تذهب هيبة البيت، ويأتي كل ملك وينقض فعل من سبقه، ويستبيح حرمة البيت، وأما آخر بناء للكعبة فكان في العصر العثماني سنة ألف وأربعين للهجرة النبوية الشريفة، عندما اجتاحت مكة سيول عارمة أغرقت المسجد الحرام، حتى وصل ارتفاعها إلى القناديل المعلقة، مما سبب ضعف بناء الكعبة، عندها أمر محمد علي باشا والي مصر، مهندسين مهرة، وعمالا يهدمون الكعبة، ويعيدون بناءها، واستمر البناء نصف سنة كاملة، وكلفهم ذلك أموالا باهظة، حتى تم العمل.