الدكرورى يكتب عن أبرهة بن الصباح الحبشي ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
أبرهة بن الصباح الحبشي ” جزء 3″
ونكمل الجزء الثالث مع أبرهة بن الصباح الحبشي، واستمر البناء نصف سنة كاملة، وكلفهم ذلك أموالا باهظة، حتى تم العمل، ولازالت الكعبة شامخة، تهفو إليها قلوب المؤمنين، وستظل كذلك حتى يقضي الله أمره في آخر الزمان بهدم الكعبة على أيدي الأحباش واستخراج كنز الكعبة، وفي الجملة فإن الكعبة لها تاريخ طويل مليء بالأحداث والعبر التي لابد لنا أن نعيها ونستفيد منها، وإننا نعرف قصة الفيل من السورة القرآنية وفيها قول الحق سبحانه وتعالى” ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل” لكن القرآن الكريم لم يقل لنا إن أبرهة الحبشى كان هو قائد أصحاب الفيل، أما كتب السير فقد ذكرت ذلك فى السيرة النبوية كما ذكرته كتب التفاسير.
ومنها تفسير ابن كثير الذى يقول فيها أنه تقدم فى قصة أصحاب الأخدود أن ذا نواس، وكان آخر ملوك حمير وكان مشركا، هو الذى قتل أصحاب الأخدود، وكانوا نصارى، وكانوا قريبا من عشرين ألفا، فلم يفلت منهم إلا دوس ذو ثعلبان، فذهب فاستغاث بقيصر ملك الشام، وكان نصرانيا، فكتب له إلى النجاشى ملك الحبشة، لكونه أقرب إليهم، فبعث معه أميرين، وهما أرياط وأبرهة بن الصباح أبا يكسوم فى جيش كثيف، فدخلوا اليمن فجاسوا خلال الديار، واستلبوا الملك من حمير، وهلك ذو نواس غريقا فى البحر، واستقل الحبشى بملك اليمن وعليهم هذان الأميران، وهما أرياط وأبرهة فاختلفا فى أمرهما وتصاولا وتقاتلا وتصافا، فقال أحدهما للآخر إنه لا حاجة بنا.
إلى اصطدام الجيشين بيننا، ولكن أبرز إلى وأبرز إليك، فأينا قتل الآخر استقل بعده بالملك، فأجابه إلى ذلك فتبارزا، وخلف كل واحد منهما قناة، فحمل أرياط على أبرهة فضربه بالسيف، فشرم أنفه وفمه وشق وجهه، وحمل عتودة مولى أبرهة على أرياط فقتله، ورجع أبرهة جريحا، فداوى جرحه فبرأ، واستقل بتدبير جيش الحبشة باليمن، فكتب إليه النجاشى يلومه على ما كان منه، ويتوعده ويحلف ليطأن بلاده ويجزن ناصيته، فأرسل إليه أبرهة يترقق له ويصانعه، وبعث مع رسوله بهدايا وتحف، وبجراب فيها من تراب اليمن، وجز ناصيته فأرسلها معه، ويقول فى كتابه، ليطأ الملك على هذا الجراب فيبر قسمه وهذه ناصيتى قد بعثت بها إليك.
فلما وصل ذلك إليه أعجبه منه، ورضى عنه، وأقره على عمله، وأرسل أبرهة يقول للنجاشى، إنى سأبنى لك كنيسة بأرض اليمن لم يبن قبلها مثلها، فشرع فى بناء كنيسة هائلة بصنعاء رفيعة البناء، عالية الفناء، مزخرفة الأرجاء، سمتها العرب القليس، لارتفاعها، لأن الناظر إليها تكاد تسقط قلنسوته عن رأسه من ارتفاع بنائها، وعزم أبرهة الأشرم على أن يصرف حج العرب إليها كما يحج إلى الكعبة بمكة، ونادى بذلك فى مملكته، فكرهت العرب العدنانية والقحطانية ذلك، وغضبت قريش لذلك غضبا شديدا، حتى قصدها بعضهم، وتوصل إلى أن دخلها ليلا، فأحدث فيها وكر راجعا، فلما رأى السدنة ذلك الحدث، رفعوا أمرهم إلى ملكهم أبرهة وقالوا له.
إنما صنع هذا بعض قريش غضبا لبيتهم الذى ضاهيت هذا به، فأقسم أبرهة ليسيرن إلى بيت مكة، وليخربنه حجرا حجرا، فتأهب أبرهة لذلك، وصار فى جيش كثيف عرمرم، لئلا يصده أحد عنه، واستصحب معه فيلا عظيما كبير الجثة لم ير مثله، يقال له، محمود، وكان قد بعثه إليه النجاشى ملك الحبشة لذلك، ويقال كان معه أيضا ثمانية أفيال، وقيل اثنا عشر فيلا، وقيل غيره، وذلك ليهدم به الكعبة بأن يجعل السلاسل فى الأركان، وتوضع فى عنق الفيل، ثم يزجر ليلقى الحائط جملة واحدة، فلما سمعت العرب بمسيره أعظموا ذلك جدا، ورأوا أن حقا عليهم المحاجبة دون البيت، ورد من أراده بكيد، فخرج إليه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم، يقال له “ذو نفر” فدعا قومه.