الدكرورى يكتب عن حياة الخضر عليه السلام ” جزء 10″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
حياة الخضر عليه السلام ” جزء 10″
ونكمل الجزء العاشر مع حياة الخضر عليه السلام، فقال السلام عليك ورحمة الله يا موسى بن عمران، إن ربك يقرأ عليك السلام، قال موسى هو السلام وإليه السلام، والحمد لله رب العالمين، الذي لا أحصي نعمه، ولا أقدر على أداء شكره إلا بمعونته، ثم قال موسى أريد أن توصيني بوصية ينفعني الله بها بعدك، فقال الخضر يا طالب العلم إن القائل أقل ملامة من المستمع، فلا تمل جلساءك إذا حدثتهم، واعلم أن قلبك وعاء فانظر ماذا تحشو به وعاءك، واعزف عن الدنيا وانبذها وراءك، فإنها ليست لك بدار، ولا لك فيها محل قرار، وإنما جعلت بلغة للعباد والتزود منها ليوم المعاد، ورض نفسك على الصبر تخلص من الإثم، يا موسى تفرغ للعلم إن كنت تريده، فإنما العلم لمن تفرغ له، ولا تكن مكثارا للعلم مهذارا، فإن كثرة المنطق تشين العلماء.
وتبدي مساوي السخفاء، ولكن عليك بالاقتصاد، فإن ذلك من التوفيق والسداد، وأعرض عن الجهال وماطلهم، واحلم عن السفهاء، فإن ذلك فعل الحكماء، وزين العلماء، وإذا شتمك الجاهل فاسكت عنه حلما، وجانبه حزما، فإن ما بقي من جهله عليك وسبه إياك أكثر وأعظم، يا ابن عمران ولا ترى أنك أوتيت من العلم إلا قليلا، فإن الاندلاث والتعسف من الاقتحام والتكلف، يا ابن عمران لا تفتحن بابا لا تدري ما غلقه، ولا تغلقن بابا لا تدري ما فتحه، يا ابن عمران من لا ينتهي من الدنيا نهمته، ولا تنقضي منها رغبته، ومن يحقر حاله، ويتهم الله فيما قضى له كيف يكون زاهدا هل يكف عن الشهوات من غلب عليه هواه؟ أو ينفعه طلب العلم والجهل قد حواه؟ لأن سعيه إلى آخرته وهو مقبل على دنياه، يا موسى تعلم ما تعلمت لتعمل به.
ولا تعلمه لتحدث به، فيكون عليك بواره، ولغيرك نوره، يا موسى بن عمران اجعل الزهد والتقوى لباسك، والعلم والذكر كلامك، واستكثر من الحسنات، فإنك مصيب السيئات، وزعزع بالخوف قلبك، فإن ذلك يرضى ربك، واعمل خيرا فإنك لا بد عامل سوء، قد وعظت إن حفظت، قال فتولى الخضر، وبقي موسى محزونا مكروبا يبكي، ولكن هذا الحديث لا يصح وقيل إنه من صنعة زكريا بن يحيى الوقاد المصري، وقد كذبه غير واحد من الأئمة، والعجب أن الحافظ ابن عساكر سكت عنه، وإن هناك العديد من الدروس المستفادة من قصة نبى الله موسى عليه السلام والخضر، ومنها الحرص على طلب العلم والاستزادة منه والرحلة إليه، وتحمل المشاق والصعاب في سبيل تحصيله، والسعي للقاء العلماء، ومجالستهم باحترام وأدب.
وكذلك الحرص على عدم نسبة الأمور المكروهة كالنسيان إلى الله تعالى تنزيها له وتأدّبا معه، حتى وإن كان مقدرا منه، وضبط النفس على تقبل عذر الناسي تجملا بالأخلاق العالية لا سيما أن النسيان قد ورد في حق الأنبياء عليهم السلام الحرص على تقديم مشيئة الله تعالى على كل ما ينوي العبد القيام به بقول “إن شاء الله” وكذلك مشروعية الإفصاح عن التعب والشعور بالألم والمرض ونحوهما على ألا يرافق ذلك ما فيه تسخُط وعدم رضا بالقضاء والقدر، ومشروعية طلب الضيافة والطعام حال الحاجة، ولا مذمة في ذلك، والحرص على عدم ترك فعل الخير والإحسان في حق من اتصف بالبخل و اللئم في التعامل، وأيضا مشروعية إلحاق الضرر والتعييب بمال الغير إن كان خيارا لتفويت ما هو أشد منه ضررا، وكذلك مشروعية التزود بالطعام والشراب.
حال السفر حيث أن ذلك لا يتصادم مع عقيدة التوكل، وأيضا تواضع التلميذ لمعلمه حال كونه أكثر أو أقل مرتبة منه، وإفصاح المعلم لتلميذه حال امتناعه عن تعليمه ما يخشى عليه في عدم تحمّله، وكذلك سعي العبد إلى كل ما فيه مرضاة الله سبحانه وتعالى من طلب علم ونحوه، كما ويؤمن لنفسه الإعانة والقوة فلا يحل عليه التعب والإعياء سريعا، وتوجه المسكين إلى عمل معين أو امتلاكه شيئا يكسب منه رزقه الذي لا يكفي لسد احتياجاته لا يخرجه من دائرة المسكنة، وكذلك الجرأة في قول الحق وإنكار المنكر كما فعل نبى الله موسى عليه السلام، بإنكار أفعال الخضر ظنا منه أنها منكرة، وإن قصة نبى الله موسى عليه السلام، لم تذكر في القرآن الكريم فحسب، إنما ذكرت أيضا في الأحاديث النبوية الصحيحة التي احتوت على معلومات إضافية أيضا.