الدكرورى يكتب عن حياة الخضر عليه السلام ” جزء 9″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
حياة الخضر عليه السلام ” جزء 9″
ونكمل الجزء التاسع مع حياة الخضر عليه السلام، وأراد الله تعالى أن يحفظه لهما حتى يبلغا وذلك بسبب الصلاح الذي كان عليه أبوهما، وفي ذلك دلالة على أن الله تعالى يتكفل بحفظ ذرية العبد الصالح، وقد ختم الخضر حديثه مع موسى عليه السلام بأن كل ما فعله لم يكن إلا بأمر الله تعالى، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الكهف “وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين فى المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمرى ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا” وقد اختلف العلماء في المكان الذي التقى فيه نبى الله موسى عليه السلام بالخضر على ثلاثة أقوال، وهي أنه التقى به عند مجمع البحرين، وهو المكان الذي يلتقي فيه بحر فارس شرقا وبحر الروم غربا وهو قول قتادة وغيره.
وذهب محمد القرظي إلى أن مجمع البحرين في بلاد المغرب عند طنجة، ومجمع البحرين يقع في إفريقية وهو قول أبي بن كعب، أو في طنجة وهو قول محمد بن كعب، أو هما نهرا الكرّ والرس، الذين يصبان في البحر وهو قول السدى، وقيل أن مجمع البحرين هما بحر الروم وهو البحر الأبيض، وبحر القلزم وهو البحر الأحمر وتدعى المنطقة التي يلتقيان فيها بالبحيرات المرّة وبحيرة التمساح، أو أن مجمع البحرين في البحر الأحمر في المكان الذي يلتقي فيه خليج العقبة مع خليج السويس لأن بني إسرائيل عندما غادروا مصر استقروا في هذه المنطقة التي شهدت تاريخهم وهذا قول سيد قطب صاحب كتاب ظلال القرآن، وأن ما يحتج به على نبوة الخضر عليه السلام، هو أن الخضر عليه السلام أقدم على قتل ذلك الغلام.
وما ذاك إلا للوحي إليه من الملك العلام، وهذا دليل مستقل على نبوته، وبرهان ظاهر على عصمته، لأن الولي لا يجوز له الإقدام على قتل النفوس، بمجرد ما يلقى في خلده لأن خاطره ليس بواجب العصمة إذ يجوز عليه الخطأ بالاتفاق، ولما أقدم الخضر على قتل ذلك الغلام الذي لم يبلغ الحلم، علما منه بأنه إذا بلغ يكفر ويحمل أبويه عن الكفر لشدة محبتهما له فيتابعانه عليه ففي قتله مصلحة عظيمة تربو على بقاء مهجته، صيانة لأبويه عن الوقوع في الكفر وعقوبته، دل ذلك على نبوته وأنه مؤيد من الله بعصمته، وقد رأيت الشيخ أبا الفرج ابن الجوزي طرق هذا المسلك بعينه في الاحتجاج على نبوة الخضر وصححه، وحكى الاحتجاج عليه الرماني أيضا، وأنه لما فسر الخضر تأويل تلك الأفاعيل لنبى الله موسى عليه السلام.
ووضح له عن حقيقة أمره وجلى، فقال بعد ذلك كله ” رحمة من ربك وما فعلته عن أمرى” يعني ما فعلته من تلقاء نفسي، بل أمر أمرت به وأوحى إلي فيه، فدلت هذه الوجوه على نبوته، ولا ينافي ذلك حصول ولايته، بل ولا رسالته كما قاله آخرون، وأما كونه ملكا من الملائكة فقول فغريب جدا، وإذا ثبت نبوته كما ذكرناه لم يبق لمن قال بولايته، وإن الولي قد يطلع على حقيقة الأمور دون أرباب الشرع الظاهر، مستند يستندون إليه، ولا معتمد يعتمدون عليه، وأما الخلاف في وجوده إلى زماننا هذا، فالجمهور على أنه باق إلى اليوم، قيل لأنه دفن آدم بعد خروجهم من الطوفان، فنالته دعوة أبيه آدم بطول الحياة وقيل لأنه شرب من عين الحياة فحيى، وذكروا أخبارا استشهدوا بها على بقائه إلى الآن.
وقد قال البيهقي لما أراد نبى الله موسى عليه السلام أن يفارق الخضر، قال له موسى أوصني، قال له الخضر عليهما السلام، كن نفاعا ولا تكن ضرارا، كن بشاشا ولا تكن غضبان، ارجع عن اللجاجة ولا تمش في غير حاجة، وفي رواية من طريق أخرى زيادة قال له ولا تضحك إلا من عجب، ثم قال الخضر، يا موسى إن الناس معذبون في الدنيا على قدر همومهم بها، وقد قال نبى الله موسى للخضر، أوصني، فقال يسر الله عليك طاعته، وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” قال أخي موسى يا رب، وذكر كلمته فأتاه الخضر وهو فتى طيب الريح، حسن بياض الثياب، مشمرها، فقال السلام عليك ورحمة الله يا موسى بن عمران”