الدكرورى يكتب عن حياة الخضر عليه السلام ” جزء 8″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
حياة الخضر عليه السلام ” جزء 8″
ونكمل الجزء الثامن مع حياة الخضر عليه السلام، ثم لما اجتمع به تواضع له وعظمه واتبعه في صورة مستفيد منه، دل على أنه نبي مثله يوحى إليه كما يوحى إليه، وقد خص من العلوم اللدنية والأسرار النبوية، بما لم يطلع الله عليه موسى الكليم نبي بني إسرائيل الكريم، فبدأ المسير على ساحل البحر فمرّت بهما سفينة وكان مَن فيها قد عرفوا الخضر عليه السلام، فأخذوا نبى الله موسى والخضر عليهما السلام معهم دون أجرة، وقد تفاجأ موسى عليه السلام باقتلاع الخضر أحد ألواح السفينة بالقدوم، فأنكر فعله الذي لا يناسب الإحسان الذي قدمه أهل السفينة لهما، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الكهف “فانطلقا حتى إذا ركبا فى السفينة خرقها، قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا” فما كان من الخضر إلا أن ذكره بشرطه.
فاعتذر إليه موسى عليه السلام مبينا أن ذلك ما كان إلا نسيانا منه، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الكهف “قال ألم أقل إنك لن تستطيع معى صبرا، قال لا تؤاخذنى بما نسيت ولا ترهقنى من أمرى عسرا” وحينها وقف عصفور على طرف السفينة وأراد أن يشرب من ماء البحر فنقر فيه نقرة، فشبّه الخضر مقدار ما لديهما من العلم مقارنة بعلم الله تعالى كمقدار الماء الذي شربه العصفور من البحر فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر فى البحر نقرة، فقال له الخضر ما علمى وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر” ونزلا من السفينة ومشيا على الساحل حتى شاهد الخضر غلاما يلعب مع رفاقه فأمسك برأسه واقتلعها فقتله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
” فانطلقا فإذا بغلام يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه من أعلاه فأقتلع رأسه بيده” فسارع موسى عليه السلام بإنكار فعله إذ ليس له الحق في قتل النفس، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الكهف “قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا” فما كان من الخضر إلا أن ذكره بشرطه مرة ثانية، واعتذر إليه نبى الله موسى عليه السلام وأخبره بأنه إن اعترض عليه بشيء مرة أخرى أن يتركه ولا يصاحبه، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الكهف “قال الم أقل لك إنك لن تستطيع معى صبرا، قال إن سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبنى قد بلغت من لدنى عذرا ” وتابعا المسير حتى وصلا إلى قرية رفض أهلها ضيافتيهما، فرأى الخضر فيها جدارا مائلا يوشك على السقوط فعدل ميله وأخبره موسى عليه السلام لو أنه أخذ أجرا على فعله.
لتمكنا من الحصول على الطعام الذي رفض أهل القرية تقديمه لهما، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الكهف “فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لأتخذت عليه أجرا” فما كان من الخضر عليه السلام إلا أن أخبره بأن لحظة فراقهما قد حانت وسيوضح الحكمة في جميع الأفعال التي أنكرها عليه، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الكهف “قال هذا فراق بينى وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا” فأما السفينة والضرر الذي ألحقه بها فما كان ذلك إلا للتخلص من ظلم ملك كان يأخذ كل سفينة صالحة من أهلها عنوة فأراد أن يجعل فيها عيبا ليغض طرف هذا الملك عنها، وإن حصل ذلك سارع أهل السفينة لإصلاحها والانتفاع بها، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الكهف.
“أما السفينة فكانت لمساكين يعملون فى البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا” وقتله للغلام كان لأنه كان جاحدا بالله وكان أبواه مؤمنين فيخشى أن يتبعاه في دينه حبّا به وحاجة إليه فأراد الله تعالى أن يرزقهما بمن هو خير منه دينا وبرّا، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الكهف “وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا، فأردنا أن يبلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما” وأما الجدار الذي عدل ميله فكان تحته كنز ليتيمين يعيشان في المدينة، وهذا الكنز كان ذهبا كما قال عكرمة رضي الله عنه، وقال ابن عباس رضي الله عنه الكنز كان علما، وقال أبو ذر الغفارى رضي الله عنه كان علما مكتوب على لوح من ذهب، وأراد الله تعالى أن يحفظه لهما حتى يبلغا وذلك بسبب الصلاح الذي كان عليه أبوهما.