الجوار فى الشريعة الإسلامية ” جزء 7″

الدكرورى يكتب منزلة الجوار فى الشريعة الإسلامية ” جزء 7″

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

الجوار فى الشريعة الإسلامية ” جزء 7″

ونكمل الجزء السابع مع منزلة الجوار فى الشريعة الإسلامية، ولفظ الإمام أحمد، ولا تؤذي بلسانها جيرانها، بل لقد جاء الخبر بلعن من يؤذي جاره، ففي حديث أبي جحيفة، قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره، فقال له اطرح متاعك في الطريق، قال فجعل الناس يمرون به، فيلعنونه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله، ما لقيت من الناس؟ قال وما لقيتَ منهم؟ قال يلعنوني، قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم فقد لعنك الله قبل الناس، قال يا رسول الله، فإني لا أعود” وإنه لا شك أن لأداء حقوق الجار وحُسن الجيرة أثرا بالغا في المجتمع وحياة الناس، فهو يزيد التراحم والتعاطف، وسبيل للتآلف والتواد، به يحصل تبادل المنافع وقضاء المصالح واستقرار الأمن.

واطمئنان النفوس، وسلامة الصدور، فتطيب الحياة، ويهنأ المرء بالعيش فيها، فلو أحسن كل جار إلى جاره، لظللت المجتمعات السعادة، ولعاشت كأنها أسرة واحدة، فتنصرف الهِمم إلى الإصلاح والبناء والسعي نحو الرقي والتقدم، ويتضح مما سبق البعد الإنساني للدين الإسلامي الذي يحرص على تحقيق روح المودة بين المسلمين بسبل شتى بالترغيب في مرضاة الله عز وجل، ولقد كان الجيران إلى زمن قريب متآلفين يعرف بعضهم بعضا، يتشاركون في معايشهم وأرزاقهم ويتحمل بعضهم بعضا، ويحفظ بعضهم جاره إذا غاب، ويدعو بعضهم لبعض في صلواته وخلواته، حتى من شدة قوة علاقاتهم شاهدنا كثيرا منهم يضع بابا بينه وبين جاره لسهولة التواصل، فكانوا يدركون عظمةَ بر الجار والإحسان إليه.

فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال، جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله، دلنى على عمل إذا عملت به دخلت الجنة، قال صلى الله عليه وسلم” كن محسنا” قال كيف أعلم أنى محسن؟ قال صلى الله عليه وسلم” سل جيرانك، فإن قالوا إنك محسن فأنت محسن، وإن قالوا إنك مسئ فأنت مسئ” رواه الحاكم، أما اليوم فللأسف الشديد طغت المدنية المعاصرة والجهل بالشريعة وحب الذات حتى أصبح الساكن في عمارة واحدة لا يعرف جاره ولا يُسلم عليه لو قابله، ولا يسأل عنه، بل ليته يَسلم من أذيته أحيانا، إذ من أعظم الأذى والأذى كله شر هو أذى الجار، فكف الأذى عن الجار سبب لتحقيق كمال الإيمان، فيجب تربية أهل البيت من زوجة وولد على تعظيم حق الجار.

وكف الأذى عنه، ويخبرهم بما في إكرام الجار من عظيم الأجر، وما في أذيته من الوعيد الشديد، فإن الأذية قد لا تصدر من الرجل لجاره، ولكن من زوجه أو ولده، ولو وقع ذلك منهم فلا يتساهل به، بل يظهر غضبه عليهم مما وقع منهم من أذية جيرانهم، ليعلموا أن هذا الأمر شديد فلا يتهاونون به، والرجل سلطان أهله وولده، والله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وقال الإمام علي بن أبي طالب للعباس رضى الله عنهما ما بقي من كرم إخوانك؟ قال الإفضال إلى الإخوان، وترك أذى الجيران، فانظر كيف عدّ العباس رضى الله عنه، ترك أذى الجيران من الكرم، وإن مظاهر التقصير الشائعة في حق الجيران هى مضايقة الجار، وتلك المضايقة داخلة في أذية الجار، وهي تأخذ صورا شتى.

فمن مضايقة الجار إيقاف السيارات أمام بابه حتى يضيق عليه دخول منزله، أو الخروج منه، ومن ذلك مضايقته بالأشجار الطويلة التي تطل على منزله، وتؤذيه بتساقط الأوراق عليه، ومن ذلك ترك المياه تتسرب أمام منزل الجار مما يشق معها دخول الجار منزله، وخروجه منه، ومن ذلك إيذاء الجيران بالروائح المنتنة المنبعثة من مياه المجارى، وقد لا يُلام المرء على هذا في بداية الأمر، ولكن يُلام إذا لم يحرص على إصلاحها أو تعاهدها، ومن ذلك مضايقتهم بمخلفات البناء وأدواته، حيث تمكث طويلا أمام بيوت الجيران بلا داع، ومن المضايقة للجيران وضع القمامة أمام أبوابهم، وأيضا من المضايقات هو حسد الجار، فإن الحسد هو تمني زوال نعمة المحسود، أو هو البغض والكراهية لما يراه من حال المحسود.