الدكرورى يكتب عن التحلي بصفات الرجال ” جزء 2″
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
التحلي بصفات الرجال ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثانى مع التحلي بصفات الرجال، فيقول الله تعالى فى سورة النور ” يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار” فالآيات ألزمت من يبتغي الاتصاف بالرجولة بصفات تبني فيه شخصيته بالإقدام والإقبال على الطاعة ومعرفة حق الله تعالى وحق رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، والإحجام عن معصيته وما قد يهدم مروءته وأخلاقه ومبادئه من جانب، ومعرفة حق أمته وعظم المسؤولية الملقاة على كاهله والتصرف إزاءها بنوع من السؤولية والكفاءة والتضحية من جانب آخر، لذا لم يكن معيار الرجولة عند سلفنا الصالحين ومصلحينا وأصحاب البصيرة النافذة لم يكن السن أو الحجم.
وإنما كان ما وقر في الفؤاد من معاني الغيرة على الدين والبذل له، فكم من صبي كان رجلا في قلبه ولسانه، وكم من صغير حيّر عقول الكبار بفهمه الدقيق وبذله العميق، وكم من ضئيل الحجم وزن بقوة قلبه وسعه علمه وعقله ملء الأرض من أصحاب الأحجام، وكم ممن يبهر الناس بحسن منظره وقوة جسده وعلو مقامه وهو لا يزن عند الله جناح بعوضة، فكان اهتمام أصحاب البصيرة النافذة بالجوهر لا بالمظهر، وبالكيف لا بالكم، وبتربية العقول والأفهام قبل تربية البطون والأجسام، ولما طلب عمرو بن العاص رضي الله عنه المدد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فتح مصر كتب إليه، أما بعد فإني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف رجل منهم مقام الألف.
الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد، ومع هذا الحث الدائم والمستمر على التحلي بصفات الرجولة ونبذ صفات التخنث التي لا تزيد صاحبها إلا بعدا من الفضيلة والمروءة والشهامة، إلا أن الرجال الحقيقيين في الدنيا قليل، حتى أصبح وجودهم أمنية تمناها الصالحون وحاملو قضية نصرة الدين على أكتافهم، حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه تمنى وجودها حينما قال لأصحابه يوما تمنوا ، فقال أحدهم أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهبا أنفقه في سبيل الله، ثم قال عمر تمنوا، فقال رجل آخر أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤا وزبرجدا وجوهرا أنفقه في سبيل الله وأتصدق به، ثم قال تمنوا، فقالوا ما ندري ما نقول يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر “ولكني أتمنى رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة، فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله”
وإن ميزان الرجال في شريعة الإسلام ليس المال وليس الجاه وليس المنصب إنما الأعمال الفاضلة والأخلاق الحسنة والإيمان القوي، فقد مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ” ما تقولون في هذا؟ قالوا هذا حري إن خطب أن يُنكح، وإن شفع أن يُشفع، وإن قال أن يُستمع له، قال ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين فقال ما تقولون في هذا؟ قالوا هذا حري إن خطب أن لا يُنكح، وإن شفع أن لا يُشفع، وإن قال أن لا يُستمع له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا ” رواه البخاري، وإن عنوان الرجولة تتجلى في رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي علم الرجال وربى الرجال وهو الذي قال “والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن اترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو اهلك فيه ما تركته ”
وقيل مر عمرو بن دينار رحمه الله، ومعه سالم بن عبد الله، قال كنت مع سالم بن عبد الله ونحن نريد المسجد، فمررنا بسوق المدينة، وقد قاموا إلى الصلاة، وخمروا متاعهم، والناس الذين في سوق المدينة، قاموا إلى الصلاة، وغطوا متاعهم، فنظر سالم إلى أمتعتهم ليس معها أحد، ولم يجلسوا أمامها ليحرسوها مثلا، أو لينظروا فيها، أو أغلقوا الدكاكين، وقعدوا على الدرجات على الرصيف في الطريق ينتظرون متى تنتهي الصلاة حتى يكون كل واحد منهم أول من يفتح الدكان، تركوا أمتعتهم في الشارع، غطوها في السوق، وذهبوا إلى المسجد، فنظر سالم إلى أمتعتهم ليس معها أحد، فتلا هذه الآية ” رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله “.