مسلمة بن عبد الملك القرشي “جزء 4”

الدكرورى يكتب عن مسلمة بن عبد الملك القرشي “جزء 4”

بقلم/ محمـــد الدكـــرورى

مسلمة بن عبد الملك القرشي “جزء 4”

ونكمل الجزء الرابع مع مسلمة بن عبد الملك القرشي، فهو من بيت السلطة والملك، وأهله أمراء وقادة وخلفاء، وظروفهم الإدارية والعسكرية والسياسية لا تخلو من مشاكل وصعوبات أعانت وساعدت مسلمة ليتعلم ويتدرب على الحياة السياسية والإدارية والعسكرية، وكان الخليفه عبد الملك بن مروان حريصا على تربية أبناءه تربية إسلامية خالصة، فعهد إلى عدد من كبار العلماء مهمة تعليم وتربية أولاده، وكان من ضمن أولئك المعلمون الذين أمضوا سنينا في تنشئة وتربية وتعليم أولاده، العالم والتابعي عامر الشعبي، والعالم والتابعي إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي، حيث أسند لهما تعليم أولاده وتأديبهم، وخصيصا إسماعيل الذي أَدَب وعلَم أغلبية أولاده، وقد استخدم عبد الملك إسماعيل بعد أن نصحته الفقيهة هجيمة أم الدرداء، بأن إسماعيل لديه الأهلية لتعليم أولاده، والذين علمهم إسماعيل من أولاد عبد الملك.

والوالى مسلمة، والخليفة يزيد، وسعيد، ومروان الأصغر، ومعاوية، وأيضا علم معهم ابن أخيهم العباس بن الوليد بن عبد الملك، ولقد وصى عبد الملك بن مروان، إسماعيل قائلا ” إني قد اخترتك لتأديب ولدي، وجعلتك عيني عليهم وأميني، فاجتهد في تأديبهم ونصيحتي فيما استنصحتك فيه من أمرهم، علمهم كتاب الله عز وجل، حتى يحفظوه، وقفهم على ما بين الله فيه من حلال وحرام حتى يعقلوه، وخذهم من الأخلاق بأحسنها، ومن الآداب بأجمعها، وروهم من الشعر أعفه، ومن الحديث أصدقه، وجنبهم محادثة النساء، ومجالسة الأظناء، ومخالطة السفهاء، وخوفهم بي، وأدبهم دوني، ولا تخرجهم من علم إلى علم حتى يفهموه، فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم، وأنا أسأل الله توفيقك وتسديدك ” وأوصاه أيضا ” علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن، وجنبهم السفلة.

فإنهم أسوء الناس دعة وأقلهم أدبا، وجنبهم الحشم، فإنهم لهم مفسدة، وأخف شعورهم تغلظ رقابهم، وأطعمهم اللحم يقووا، وعلمهم الشعر يمجدوا وينجدوا، ومرهم أن يستاكوا عرضا ويمصوا الماء مصا، ولا يعبوا عبا، وإذا احتجت أن تتناولهم بأدب، فليكن ذلك في سر لا يعلم به أحد من الحاشية فيهونوا عليهم ” وكان عبد الملك يأمر إسماعيل بضرب مسلمة وإخوانه إذا كذبوا أو لم يحفظوا القرآن، وقال لإسماعيل يوما ” إنه والله ما يخفى علي ما تعلمهم وتلقيه إليهم، فاحفظ عني ما أوصيك به ” علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن، واحملهم على الأخلاق الجميلة، وعلمهم الشعر يسمحوا ويمجدوا وينجدوا، وجنبهم شعر عروة بن الورد، فإنه يحمل على البخل، وأطعمهم اللحم يقووا ويشجعوا، وجز شعورهم تغلظ رقابهم، وجالس بهم أشراف الناس وأهل العلم منهم، فإنهم أحسن الناس أدبا وهديا.

ومرهم فليستاكوا، وليمصوا الماء مصا، ولا يعبوه عبا، ووقرهم في العلانية، وأدبهم في السر، واضربهم على الكذب كما تضربهم على القرآن الكريم، فإن الكذب يدعو إلى الفجور، والفجور يدعو إلى النار، وجنبهم شتم أعراض الرجال، فإن الحر لا يجد من شتم عرضه عوضا، وإذا ولوا أمرا فامنعهم من ضرب الأبشار، فإنه على صاحبه عار باق ووتر مطلوب، واحثثهم على صلة الرحم، واعلم أن الأدب أولى بالغلام من النسب، ولقد كان عبد الملك مواظبا على حث مسلمة وإخوانه على الرجولة ومكارم الأخلاق، وكان يتابع بين الفينة والأخرى تحصيل أبناءه وأثر التعليم فيهم ويمتحنهم ويسألهم بنفسه، وخلال نشأته حفظ مسلمة وتعلم القرآن الكريم، والسنة النبوية، وحفظ أخبار العرب وأيامهم، وأتقن علوم اللغة العربية، وفنون الأدب شعرا ونثرا.

ثم بدأ مسلمه بن عبد الملك بممارسة القضايا الإدارية والسياسية عن كثب، ورأى كيف تصرف الأمور وتعطى القرارات، كما تدرب أيضا على ركوب الخيل والفروسية والسباحة، والرمي بالسهام والنبال، والمبارزة والضرب بالسيف، والطعن بالرماح والسنان، وقد ساهم عبد الملك بن مروان، بإرساء شخصية إبنه مسلمة بشكل كبير فبدت ملامحها واضحة جلية في وقت مبكر من عمره، وتلك الأسس كانت عبارة عن الدين والتفقه به والتمسك بتعاليمه، والعربية وإتقان علومها، والسياسة وممارسة قضاياها، والإدارة وحل مشاكلها، والعسكرية والتدريب على متطلباتها، فكان مسلمة بن عبد الملك نسخة طبق الأصل من والده عبد الملك بن مروان، وأشبه الناس به ما عدا أنه لم يتولى الخلافة كوالده.