نبي الله داود عليه السلام ” جزء 11″

الدكرورى يكتب عن نبي الله داود عليه السلام ” جزء 11″

بقلم / محمـــد الدكـــــرورى

نبي الله داود عليه السلام ” جزء 11″

ونكمل الجزء الحادي عشر مع نبي الله داود عليه السلام، ومن الدروس القضائية هو جواز نقض الحكم بالحكم إذا تبين خطأ الحكم الأول، أو كان الثاني أرفق بالخصوم، فالقضاة حكمهم لا يبنى على معرفة الغيب حتى لا يعدلوا عن الصواب، ولكنه مبني على ما ترجح لديهم من القرائن، فقد يصيبون وقد يخطئون ولذلك قد يحكم القاضي لأحد الخصمين بالحق من خصمه وهو ليس له، فيستحق ذلك الخصم الحق المحكوم به قضاء، ولكنه لا يجوز له أن يأخذه ديانة, فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وأقضي له على نحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذ فإنما أقطع له قطعة من النار” متفق عليه، وفي قصة نبى الله داود عليه السلام نقض حكمه في قضية الزرع.

وقضية المرأتين، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “بينما امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت هذه لصاحبتها إنما ذهب بابنك أنت، وقالت الأخرى إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السلام فأخبرتاه، فقال ائتوني بالسكين أشقه بينكما، فقالت الصغرى لا، يرحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصغرى” والقضاة لا يستوون في معرفة الصواب، فنبى الله داود عليه السلام كان حكمه في القضيتين صحيحا بناء على الأدلة، لكن تبين لنبى الله سليمان عليه السلام حكم هو أرفق بالخصمين من حكم أبيه فحكم به وأقره أبوه عليه، وفي الثانية لاحظ سليمان مخايل الاستحقاق للولد في المرأة الصغرى فاحتال حيلة قضائية صحيحة.

حتى وصل إلى الحق فحكم به للصغرى، وأمضى أبوه حكمه في هذه كذلك، ومن الدروس القضائية أيضا هو أهمية تحلي القاضي بالفطنة والذكاء، والإحاطة بالطرق المشروعة في استبيان الحق، مثل الحيل الصحيحة، وقد ضرب القاضي إياس بن معاوية أروع الأمثلة في الفراسة واستخراج الحقوق من الخصوم، وقد ذكر المؤرخون عن فطنة إياس وذكائه في القضاء أخبارا عجيبة كثيرة، فمن ذلك هو أن رجلا استودع رجلا مالا، ثم طلبه فجحده، فخاصمه إلى إياس بن معاوية، فقال الطالب إني دفعت المال إليه، قال ومن حضرك؟ قال دفعته إليه في مكان كذا وكذا ولم يحضرنا أحد، قال فأي شيء كان في ذلك الموضع؟ قال شجرة، قال فانطلق إلى ذلك الموضع وانظر إلى الشجرة، فلعل الله تعالى يوضح لك هناك ما يبين لك حقك.

لعلك دفنت مالك عند الشجرة ونسيت فتذكر إذا رأيت الشجرة، فمضى الرجل وقال إياس للمطلوب اجلس، حتى يرجع خصمك، فجلس وإياس يقضي وينظر إليه ساعة ثم قال له يا هذا، أترى صاحبك بلغ موضع الشجرة التي ذكر؟ قال لا، قال يا عدو الله، إنك لخائن، قال أقلني أقالك الله، فأمر من يحتفظ به حتى جاء الطالب فقال له إياس قد أقر لك بحقك فخذه به، وقيل أنه رد رجل جارية اشتراها من رجل غلبه فخاصمه إلى إياس بن معاوية فقال له، لمَ تردها؟ قال أردها بالحمق، قال إياس لها أي رجليك أطول؟ قالت هذه، قال تذكرين أي ليلة ولدت؟ قالت نعم، فقال له إياس، رُدّ رُدّ، وهنا نبى الله سليمان عليه السلام، استعمل حيلة السكين حتى عرف أم الغلام الحقيقية، وأيضا من الدروس القضائية هو أن رجوع القاضي إلى الحق والحكم الأرفق من حكمه يعدّ فضيلة.

ومنقبة له، وقد روي رجوع بعض الصحابة كعمر وعثمان وأبي موسى رضي الله عنهم أجمعين في بعض الأحكام القضائية, وهنا ظهر رجوع نبى الله داود إلى حكم ابنه سليمان عليهما السلام، ومن الدروس القضائية هو أن خطأ القاضي أو مخالفته للأفضل في الحكم بعد الاجتهاد في تحري الصواب لا ينقص من قدره, ولهذا فإن الله تعالى لم يلوم نبى الله داود على قضائه، بل أثنى عليه، ومن الدروس القضائية هو عدم مشروعية إغلاق الأبواب أمام المتقاضين، ووجوب تسهيل سبل وصول الخصومات إلى القضاء بالطرق المنظمة، من غير إشقاق على المتقاضين, فعن ابن مريم عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه أنه قال لمعاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول “من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة” رواه أبو داود والترمذي.