أمك ثم أمك ثم أمك ” جزء 5″

الدكرورى يكتب عن أمك ثم أمك ثم أمك ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

أمك ثم أمك ثم أمك ” جزء 5″

ونكمل الجزء الخامس مع أمك ثم أمك ثم أمك، يا بني أما آن لقلبك أن يرق لامرأة ضعيفة أضناها الشوق، وألجمها الحزن، جعلت الكمد شعارها، والغم دثارها، وأجريت لها دمعا، وأحزنت قلبا، وقطعت رحما، يا بني هاهو باب الجنة دونك فاسلكه، وأطرق بابه بابتسامة عذبة، وصفح جميل، ولقاء حسن، لعلي ألقاك هناك برحمة ربي كما في الحديث ” الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب، أو احفظه ” رواه أحمد، يا بنى أعرفك منذ شب عودك، واستقام شبابك، تبحث عن الأجر والمثوبة، لكنك اليوم نسيت حديث النبي صلى الله عليه وسلم” إن أحب الأعمال إلى الله الصلاة في وقتها، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله” رواه البخارى ومسلم، هاك هذا الأجر دون قطع الرقاب وضرب الأعناق، فأين أنت من أحب الأعمال؟

يا بني إنني أعيذك أن تكون ممن عناهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله” رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه، قيل من يا رسول الله؟ قال من أدرك والديه عند الكبر، أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة” رواه مسلم، يا بنى لن أرفع الشكوى، ولن أبث الحزن، لأنهما إن ارتفعت فوق الغمام، واعتلت إلى باب السماء أصابك شؤم العقوق، ونزلت بك العقوبة، وحلت بدارك المصيبة، لا، ولن أفعل لا تزال يا بني فلذة كبدي، وريحانة فؤادي وبهجة دنياي، أفق يا بني فقد بدأ الشيب يعلو مفرقك، وتمر السنوات ثم تصبح أبا شيخا، والجزاء من جنس العمل، وستكتب رسائل لابنك بالدموع مثلما كتبتها إليك، وعند الله تجتمع الخصوم، يا بني أتقى الله في أمك، والزمها فإن الجنة عند رجليها، كفكف دمعها، وواس حزنها، وإن شئت بعد ذلك فمزق رسالتها

واعلم أن من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها، وهذا نبى الله عيسى بن مريم عليه السلام عندما تكلم في المهد كان من قوله تعالى ” وبرا بوالدتى” أى وأمرنى ربي ببر والدتي والإحسان إليها، وعن السيدة عائشه رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” نمت فرأيتنى فى الجنة فسمعت صوت قارئ يقرأ فقلت من هذا قالوا هذا حارثه بن النعمان” فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” كذاك البر كذاك البر ” وكان أبر الناس بأمه، رواه أحمد، وكان أبو هريرة رضى الله عنه إذا أراد أن يخرج من بيته وقف على باب أمه فقال السلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته، رحمك الله كما ربيتني صغيرا، فتقول وعليك السلام يا ولدي ورحمة الله وبركاته، رحمك الله كما بررتني كبيرا، وقيل للتابعي الجليل الإمام الحسن البصرى ما البر؟

قال الحب والبذل، قيل وما العقوق؟ قال أن تهجرهما وتحرمهما، ثم قال الحسن النظر إلى وجه الأم عبادة، فكيف برها؟ وعن منذر الثورى قال كان الإمام محمد الحنفية يمشط رأس أمه، فهكذا كان الأئمة والعلماء والأنبياء في الحرص الحثيث على بر أمهاتهم، فأين أولئك الذين يرفعون أصواتهم على أمهاتهم ويوبخونهن، أم أين أولئك الذين يتسببون في إدخال الحزن والقهر على أمهاتهم؟ أم أين أولئك الذين بلغت بهم شقوة أنفسهم لأن يضربوا أمهاتهم ويلحقون بهن الأذى الجسدي والنفسي؟ وإن من المؤسف أننا بدأنا نتبع الغرب ونترك ما أمرنا الله عز وجل من طاعة الوالدين، وعلى وجه الخصوص الأم حيث جعلوا لها يوما واحدا ندخل عليها السرور ونقدم لها الهداية وسمي هذا اليوم بيوم عيد الأم والله تعالى قد حذرنا من مشابهة اليهود والنصارى والمشركين وغيرهم.

وهل هذا ما طلبه الله ونبينا صلى الله عليه وسلم منا أن نجعل برها يوما واحدا؟ فواجب على كل مسلم أن يبر بوالدته، وأن يقدم لها أطيب ما عنده، وأن يدخل عليها السرور في كل وقت وحين، فهذا هو المطلوب شرعا منك، وليس من يدعي برها بعيد الأم لحظات وينتهي برها ، فهذا ظلم بحق الأم، فإن هذه الحقوق العظيمة التي لا يمكن لأحد أن يتجاهلها، وكيف وهو يخص أغلى إنسانة، وكيف وهو يخص تلك الدرة المصونة، والجوهرة الغالية، إنها الأم، نعم الأم نذكر بحقها سواء كانت حية أو ميتة، نعم الأم، وما أدراك ما الأم، إنها إحساس ظريف، وهمس لطيف، وشعور نازف بدمع جارف، فالأم هى كنز مفقود لأصحاب العقوق، وهى كنز موجود لأهل البر والودود، فالأم تبقي كما هي في حياتها وبعد موتها، وفي صغرها وكبرها فهي عطر يفوح شذاه.