تراجع الولايات المتحدة في سباق الطائرات المسيّرة..ماهو السبب ؟
لقد حدث في سباق التسلح العالمي، بدوت الولايات المتحدة الأمريكية وكأنها بدأت تفقد زمام المبادرة في تكنولوجيا الطائرات المسيرة، مقارنة بخصوم مثل روسيا، الصين، وإسرائيل، وبينما تتسابق الدول الأخرى لتطوير ونشر هذه التكنولوجيا في ساحات القتال، لا تزال أمريكا تعاني من مشكلات هيكلية وتنظيمية.
تراجع الولايات المتحدة في سباق الطائرات المسيّرة..ماهو السبب ؟
وحذر موقع ناشيونال انترست من أن الولايات المتحدة لم تعد تحتفظ بتفوقها التكنولوجي في مجال الطائرات المسيرة، ويعود السبب في ذلك إلى ضعف الإنتاج المحلي، وقلة الاختبارات الميدانية، والبيروقراطية العسكرية المرهِقة التي تعيق تطوير هذه المنظومة الحيوية.
تحدي التكنولوجيا العسكرية
كشفت وزارة الدفاع الأمريكية عن فعالية جديدة تحت اسم مدرسة أفضل سلاح ، تهدف إلى تعزيز قدرات الجيش الأمريكي في مجال الطائرات المسيرة، ضمن مناورات تجربة الجاهزية التكنولوجية (T-REX) في ولاية إنديانا، وتتضمن تدريبات على القتال في بيئات حضرية باستخدام طائرات مسيّرة من طراز الكاميكازي .
وأوضح الموقع، في تقرير نشره الثلاثاء 22 يوليو 2025، أن هذه المناورات خطوة أولى نحو إدخال تدريب عسكري واقعي في ملف تطوير الطائرات المسيرة الأمريكية. غير أن هذه الجهود لا تزال محدودة مقارنة بما تفعله روسيا وأوكرانيا، حيث يجري اختبار هذه الطائرات في بيئات قتال حقيقية تُوفر بيانات لا يمكن محاكاتها في الولايات المتحدة.
سباق التسلح يتسارع
أفادت تقارير بأن روسيا زوّدت قواتها بـ1.5 مليون طائرة مسيّرة صغيرة خلال العام الماضي، بينما تُنتج أوكرانيا نحو 200 ألف طائرة شهريًا، وفي المقابل، تعاني القدرة التصنيعية الأمريكية من ضعف واضح لا يواكب هذا النمو السريع، ما يهدد بترك فجوة خطيرة في أمنها القومي.
وتمتلك الصين أيضًا ميزة حاسمة بفضل تفوقها في تصنيع المكونات الإلكترونية الدقيقة للطائرات المسيرة، ما يجعل الولايات المتحدة أمام تحدٍ كبير: إما أن توسّع بنيتها الصناعية بسرعة، أو تواصل التأخر خلف منافسيها في هذا المجال الحاسم.
ويحاول وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيجسيث، تبسيط عملية تطوير الطائرات المسيرة من خلال فتح الباب أمام المصنعين ورجال الأعمال، وفي الوقت نفسه تسهيل عملية شراء الطائرات المسيرة بالسماح للوحدات العسكرية بتجاوز عملية الشراء البيروقراطية التقليدية في البنتاجون.
عقبات محلية خطيرة
إحدى أكبر العقبات التي تواجه الجيش الأمريكي هي ندرة بيئات الاختبار الواقعية، إذ أن معظم أنظمة الدفاع الأمريكية تُعيق استخدام معدات التشويش والرصد لأغراض التدريب بسبب تعارضها مع قوانين الاتصالات والطيران المحلي، وهذه اللوائح تجعل من شبه المستحيل إجراء مناورات تشبه ظروف الحرب الحقيقية.
وتُجري وزارة الدفاع الأمريكية مفاوضات لتخفيف بعض هذه القيود بشكل مؤقت، لكن حتى مع هذه التعديلات، ستبقى بيئات الاختبار محدودة جدًا مقارنة بجبهات الحرب النشطة مثل أوكرانيا، حيث تُختبر التكنولوجيا في أجواء إلكترونية معقدة للغاية.
ساحة اختبار مثالية
أصبحت حرب أوكرانيا مختبرًا حيًّا لاختبار تكنولوجيا الطائرات المسيرة، إذ يعتمد الطرفان بشكل مكثف على هذا السلاح، وصرح براندون تسينج، مؤسس شركة Shield AI، التي تُزوّد القوات الأمريكية والأوكرانية بطائرات مسيّرة، أن من لا يعمل في أوكرانيا، لا قيمة له ، في إشارة إلى أن فعالية الطائرات تُقاس بقدرتها على الصمود في هذا الميدان القاسي.
وأشار إلى أن العديد من الشركات الأمريكية أرسلت نماذج أولية لطائراتها المسيّرة لاختبارها في أوكرانيا، لكن معظمها لم يعد موجودًا هناك، إذ لم يعد قادرًا على التعامل مع بيئة الحرب الإلكترونية القاسية، الأمر الذي يؤكد أن تدريب عسكري واقعي يتطلب أكثر من مجرد بيئة افتراضية؛ بل يحتاج إلى تفاعل حقيقي مع خصوم يمتلكون تقنيات متطورة وتكتيكات فعالة.
التغيير السريع
بينما تُعد مناورات توب جَن جزءًا مهمًا من برنامج إعادة الهيكلة، فإنها غير كافية بمفردها، ويتوجب على البنتاجون أن يفتح المجال أمام الشركات الصغيرة ورواد الأعمال، ويسرّع عمليات الشراء الميداني، مع تمكين الوحدات القتالية من الحصول على المعدات مباشرة دون المرور بسلسلة الإجراءات التقليدية.
توسيع هذه المناورات لتشمل كافة فروع القوات المسلحة، وتكثيفها على مدار العام، سيشكل خطوة مهمة نحو استعادة هيمنة الطائرات المسيرة الأمريكية، وهذه التكنولوجيا ليست رفاهية، بل عامل حسم استراتيجي في الحروب الحديثة.
اللحاق بالركب
أمام هذا الواقع، لم يعد هناك مجال أمام الولايات المتحدة للتراخي، فإن لم تتدارك واشنطن تأخرها، فستفقد ميزة التفوق في سباق التسلح التكنولوجي، وستجد نفسها تعتمد على الآخرين في ساحة أصبحت فيها الطائرات المسيرة أداة الحرب الأولى. الاستثمار في التصنيع والتدريب بات واجبًا، لا خيارًا.
وفيما تنتظر الولايات المتحدة تعديل قوانينها وتجهيز بناها التحتية، تستمر الدول الأخرى في التقدم بثقة. المستقبل سيكون لمن يملك القدرة على الدمج بين القدرة التصنيعية والتجريب الواقعي السريع. حتى اللحظة، لا تزال أمريكا في موقع المتأخر.