بعد 32 عاماً على توقيع اتفاق أوسلو.. ماذا تبقّى من حبر مشروع السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟

بعد 32 عاماً على توقيع اتفاق أوسلو.. ماذا تبقّى من حبر مشروع السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟

مر 32 عاماً على توقيع اتفاق أوسلو بين رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في 13 سبتمبر/ أيلول 1993، في حديقة البيت الأبيض بواشنطن لتشكيل “سلطة حكم ذاتي فلسطيني انتقالي”.

 

رؤية للسلام كانت رؤية الإدارة الأمريكية لعملية السلام في الشرق الأوسط حينها مبنية على ضرورة إيجاد حل ما للصراع العربي-الإسرائيلي، لا سيما مع موافقة منظمة التحرير الفلسطينية على السير في خطة تسوية. وكانت نتيجة مؤتمر مدريد والمحادثات السرية التي أعقبته في العام ذاته، التوصل إلى اتفاق أوسلو، وسمي بهذا الاسم نسبة إلى العاصمة النرويجية التي جرت فيها المحادثات.

 

يعدّ اتفاق أوسلو أول اتفاق رسمي بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية وينص على “إنهاء عقود من المواجهة والنزاع، والاعتراف بحقوقهما المشروعة والسياسية المتبادلة”. وضم عدّة بنود تتعلق بهيكلية السلطة الفلسطينية وتكوينها، وإقامة سلطة حكم ذاتي انتقالية فلسطينية، وغيرها من البنود.

 

بنود وأحلام لم تنفذ توسّعت بنود اتفاق أوسلو في الحديث عن تسليم غزة وأريحا أولاً في غضون أشهر، وتسليم السلطة المدنية. تحقّق جزء من هذه المسائل رغم عدم الاتزام بالجدول الزمني. فالانحساب من غزة لم يتمّ إلا عام 2005، وما هو القطاع اليوم يعيش أسوأ واقع على أراضيه منذ عام 1948 مع مقتل أكثر من 64 ألف مدني منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وسعي إسرائيل للسيطرة على مدينة غزة بعد بسط نفوذها على رفح بشكل كامل ومناطق أخرى في الشريط الحدودي الشرقي للقطاع.

 

أبرز بنود الاتفاق تتمثل في اعتراف متبادل بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وانسحاب إسرائيلي تدريجي من الضفة الغربية وقطاع غزة، وتشكيل سلطة فلسطينية منتخبة بصلاحيات محدودة، وبحث القضايا العالقة فيما لا يزيد على 3 سنوات.

 

وفي إطار تنفيذ الاتفاق، انسحبت إسرائيل من غزة وأريحا، في حين عاد ياسر عرفات ومسؤولو منظمة التحرير الفلسطينية إلى الضفة الغربية من تونس، وأسسوا السلطة الوطنية الفلسطينية.

 

مسائل أخرى تركت للحل النهائي الذي لم يبصر النور أبداً، كالمستوطنات في المنطقة ج والقدس واللاجئين ومسائل أخرى في الأمن والاقتصاد، لكن الواقع أظهر بعد 32 عاماً أن الأمور تدهورت نحو الأسوأ بالنسبة للفلسطينيين.

 

ضفة غربية تصغر الضفة الغربية التي يحلم جزء من الفلسطينيين بأن تكون أساساً لدولتهم وفق مبدأ حل الدولتين، تعاني واقعاً صعباً، يتمثّل في ازدياد الضغط العسكري على مناطق السلطة الفلسطينية والمخيمات حيث تتواجد فصائل مسلحة مثل جنين وطولكرم ونابلس وغيرها وقد هجر عدد كبير من سكانها نتيجة العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي منذ نحو سنتين

 

أزمة أكثر خطورة تعرقل محاولات السلام كافة، وتدفع نحو دفن حلّ الدولتين نهائيًا، تتمثل في توسع الاستيطان وإعلان السيادة على الضفة الغربية، كما يصرّح بذلك مسؤولون يمينيون في إسرائيل.

 

قبل أيام، وقع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على خطة “إي1” لتوسيع المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية والمحيطة بالقدس.

 

ويهدف المخطط الاستيطاني إلى عزل القدس عن محيطها الفلسطيني في الضفة، وقطع التواصل الجغرافي والسكاني بين القدس والتجمعات الفلسطينية، وتقويض إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، كذلك عزل شمال الضفة الغربية عن جنوبها وتحويلها إلى جيوب تخضع في حركتها لسلطة الجيش الإسرائيلي.

 

ويمتد مشروع إي1 على مساحة 12 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية المستولى عليها من بلدات: العيساوية، والطور، وعناتا، والعيزرية، وأبو ديس، ويهدف إلى خلق تواصل جغرافي مباشر بين “معاليه أدوميم” والقدس.

 

أكثر تطرفاً من نتنياهو، يستمر وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير في إعلان مخططاته بشأن الضفة والفلسطينيين.

 

ففي مارس/ آذار الماضي، أعلن بن غفير أنه تقدم بمشروع قانون للكنيست (البرلمان) لإلغاء اتفاقية أوسلو وبروتوكول الخليل ومذكرة “واي ريفر” التي أبرمتها حكومات إسرائيلية سابقة مع الجانب الفلسطيني.

 

اتفاقيات أخرى اتفاق الخليل أو “بروتوكول الخليل”، الذي دعا بن غفير إلى إلغائه أيضًا، تم توقيعه في منتصف يناير/كانون الثاني 1997، ونصّ على إعادة انتشار القوات الإسرائيلية في مدينة الخليل بالضفة الغربية. وقضى الاتفاق بتقسيم المدينة إلى منطقتين: الأولى تمثل نحو 80% من مساحتها وتخضع للسيطرة الفلسطينية الكاملة، فيما تمثل الثانية 20% المتبقية وتبقى تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية، على أن تُنقل الصلاحيات المدنية فيها إلى السلطة الفلسطينية.

 

وفي أكتوبر/تشرين الأول 1998، وُقّعت “مذكرة واي ريفر” بين الرئيس الفلسطيني آنذاك ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عقب مفاوضات استمرت ثمانية أيام في منتجع واي ريفر بواشنطن. ونصّت المذكرة على انسحاب إسرائيلي من بعض مناطق الضفة الغربية، واتخاذ إجراءات أمنية لمكافحة ما وُصف بالإرهاب، إلى جانب تعزيز العلاقات الاقتصادية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، واستئناف مفاوضات الوضع النهائي.

 

غزة وواقع الحرب وبعيداً عن الضفة، لا يزال الوضع في غزة أكثر مأساوية ودموية من الضفة، مع مقتل أكثر من 64 ألف فلسطيني بالقصف الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

 

الوضع الإنساني وصل إلى درجة أعلنت فيه الأمم المتحدة عن المجاعة في مدينة غزة مع وفاة المئات نتيجة الجوع، بينما تنفي إسرائيل الاتهامات بشأن التجويع وتردّ بأنها وسّعت المنطقة الإنسانية في المواصي بخان يونس، وهي منطقة لا تسلم أيضاَ من القصف وسقوط القتلى.

 

جهود دولية ومع استمرار الرفض الإسرائيلي الأمريكي لأي اعتراف بدولة فلسطينية على حدود عام 1967، تخطو عدة دول باتجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهي خطوة من المتوقع أن تتخدها فرنسا وبريطانيا وأستراليا وكندا ودول أخرى خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الجاري لتحذو حذو إسبانيا وإيرلندا وغيرها من الدول التي أعلنت اعترافها رسمياً.

 

يوم الجمعة، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة “إعلان نيويورك” الذي يحدد “خطوات ملموسة ومحددة زمنيا ولا رجعة فيها” نحو حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، وذلك قبيل اجتماع أممي لقادة العالم.

 

تثير هذه الخطوات غضب إسرائيلي، إذ تتهم الدول بتقديم هدية لحركة حماس، بينما توترت العلاقات مع دول مثل أستراليا وفرنسا وكندا بعد هجوم حاد من نتنياهو على زعمائها.

 

حلم بعيد المنال في المحصّلة، وبعد مرور 32 عامًا على اتفاق أوسلو، تبدو الوقائع على الأرض دليلاً على أنه تحوّل إلى حبر على ورق. فالسلطة الفلسطينية، التي يسعى المجتمع الدولي للاعتراف بها، بالكاد تبسط سيطرتها على أجزاء محدودة من الضفة الغربية، وغالبًا حين تسمح إسرائيل بذلك. وفي غزة، تستمر حرب لا تعرف التوقف، بينما يصرّ المسؤولون في إسرائيل على إبقاء فكرة الدولة الفلسطينية مجرّد “حلم” بعيد المنال بالنسبة للفلسطينيين.