عاجل- بعد 160 عامًا.. «النواب» يودع قصر العيني.. والعاصمة الجديدة تحتضن المجلس في مبنى أيقوني.. صور
عاجل- بعد 160 عامًا.. «النواب» يودع قصر العيني.. والعاصمة الجديدة تحتضن المجلس في مبنى أيقوني.. صور
رحل بعد ما يقرب من 160 عامًا من العمل بمقره التاريخي بشارع القصر العيني، يودع اليوم الخميس مجلس النواب مقره الحالي لينتقل بالكامل إلى مقره الجديد بالعاصمة الجديدة، ليبدأ من الأحد المقبل مرحلة جديدة تحمل في طياتها مزيدًا من التطور والحداثة، مع تأكيد التزام مصر بالقيم الديمقراطية.
المقر القديم بالقصر العيني قيمة تاريخية ومعمارية شامخة ويعد مبنى مجلس النواب بالقصر العيني الحالي ذو القبة التاريخية أحد أهم المعالم التاريخية في مصر، ويُعد من أبرز المباني التي شهدت تطور الحياة السياسية والتشريعية في مصر الحديثة.
مجلس النواب الجديد

ويحمل مبنى البرلمان المصري في قلب القاهرة قيمة تاريخية ومعمارية شامخة، ويعد رمزًا لقيم ومبادئ كافح من أجلها الشعب المصري سنوات طويلة.
فقد شهد هذا المبنى أحداثًا هامة في تاريخ مصر الحديث ومسيرة العمل الوطني بها، منذ افتتاحه بالشكل الحالي في عام 1924 ليستقبل أول برلمان مصري حديث بعد صدور دستور عام 1923.
وعُقدت بداخله الجلسة الأولى لمجلسي الشيوخ والنواب يوم السبت 15 مارس عام 1924.

ويعد المبنى شاهدًا حيًا على وقائع الحياة السياسية والنيابية في مصر، ويحمل قيمة فنية ومعمارية عامة، فقد شُيد على طراز يجمع بين الطراز الكلاسيكي الغربي والأساليب المعمارية الأوروبية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، خاصة تلك التي كانت شائعة في فرنسا وبريطانيا في ذلك الوقت، وبين التأثيرات الإسلامية في العمارة والفنون التي تعكس الهوية المصرية. من خلال استخدام الأعمدة الضخمة والتفاصيل الدقيقة في الواجهات، تم استلهام العديد من العناصر المعمارية الأوروبية، وخاصة تلك التي كانت شائعة في فرنسا وبريطانيا في ذلك الوقت.
ويتكون التصميم المعماري للمبنى من قاعة رئيسية مستديرة يبلغ قطرها 22 مترًا وارتفاعها 30 مترًا تعلوها قبة يتوسطها جزء مستدير مغطى بالزجاج.

وهذا الجزء تعلوه شخشيخة عليها قبة صغيرة منخفضة، والشخشيخة بها أربعة شبابيك، وعلى القبة من الخارج أشرطة بارزة تمثل وحدات زخرفية متكررة. أما مركز الدائرة من الداخل، فتحيط به زخارف نباتية تمثل الطراز الذي ساد في العشرينات وقت البناء، والقاعة تتكون من طابقين بكل منهما شرفة، أما صدر القاعة فنجد في وسطها شعار الجمهورية ثم منصة الرئاسة، ويلحق بالقاعة عدة أجنحة منها البهو الفرعوني واستراحة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.
ورغم أن المبنى قد تم تشييده في بداية عشرينات القرن الماضي، فإن الحياة النيابية المصرية ضاربة في جذور التاريخ، حيث قدمت مصر للإنسانية أقدم النظم التشريعية والإدارية، فعلى ضفاف نيلها نشأت أقدم حكومة منظمة شيدت الحضارات الإنسانية العظيمة، وعلى مدى العصور تعاقبت الحضارات المصرية الشامخة وازدهرت استنادًا إلى أسس قوية وراسخة في نظم وفنون الحكم والإدارة.
مجلس النواب بالعاصمة الادارية الجديدة
مجلس النواب بالعاصمة الادارية الجديدة
فقبل نحو 5200 عام، استطاع الملك مينا مؤسس الأسرة الفرعونية الأولى توحيد الوجهين القبلي والبحري (الجنوب والشمال) في مصر في دولة موحدة، ووضع أقدم النظم التشريعية في التاريخ الإنساني عندما جعل من قانون «تحوت»، إله الحكمة، القانون الموحد السائد في مصر بكاملها. واتخذ من مدينة منف عاصمة ومركزًا إداريًا لأول دولة مركزية موحدة في التاريخ، تمتلك جهازًا منظمًا في الحكم والإدارة والقضاء والتعليم والشرطة والجيش وغيرها.
أما الحياة النيابية بالشكل الحديث، فقد ظهرت عام 1866، حيث شهد هذا العام الخطوة الأهم في تطور الحياة النيابية في مصر بإنشاء “مجلس شورى النواب” في عهد الخديوي إسماعيل، والذي يعد أول برلمان يمتلك اختصاصات نيابية، وليس مجرد مجلس استشاري تغلب عليه الصفة الإدارية. وقد صدر المرسوم الخديوي بإنشاء المجلس في شهر نوفمبر 1866، متضمنًا اللائحة الأساسية واللائحة النظامية للمجلس.
مجلس النواب بالعاصمة الادارية الجديدة
تدشين مرحلة جديدة في السنوات الأخيرة، تم تشييد مقر لمجلس النواب بالعاصمة الجديدة ضمن خطة كبيرة لتطوير الدولة المصرية وبناء الجمهورية الجديدة، وذلك لتحسين المرافق الحكومية وتحديث الهياكل الإدارية.
ووصف مبنى مجلس النواب الجديد بأنه أيقونة العمران الحديث في مصر، والذي صُمم بأيدٍ مصرية وفقًا لمعايير عالمية، وتم إنجازه في وقت قياسي، ويعد مزارًا لحاضر ومستقبل مصر الممتدين من تاريخ عريق يشهد له القاصي قبل الداني.
ويقع مبنى مجلس النواب الجديد بالعاصمة الجديدة على ما يقرب من 26 فدانًا، وهي مساحة تزيد عن ثلاثة أضعاف مساحة المقر القديم في وسط القاهرة، حيث يتكون من مبنى المجلس “المبنى الرئيسي” ومبنى الخدمات والموقع العام (الأسوار والطرق الداخلية والمساحات الخضراء).
كما أن المبنى الرئيسي يقع على مساحة 18 ألف متر مربع، حيث يتكون من بدروم وأرضي و8 أدوار متكررة، ويضم قاعة رئيسية بسعة 1000 عضو ومكاتب إدارية، وشرفتين تتسع كل منهما لحوالي 230 260 مقعدًا، ويتوسطها ثلاث قباب، الداخلية بارتفاع 37 مترًا وقطر 44 مترًا، والعلوية تظهر من خارج المبنى بارتفاع 75 مترًا.
ويتضمن المبنى الجديد لمجلس النواب قبتين؛ الأولى وسطية معدنية بقطر 50 مترًا، والثانية قبة علوية خرسانية بقطر 57 مترًا، بينما كان يبلغ قطر قبة المجلس القديم بوسط القاهرة 22 مترًا فقط. وصممت قاعة المجلس الجديدة من 3 طوابق على غرار المقر القديم.
وخصص الطابق الأول لمقاعد نواب البرلمان والمنصة الرئيسية التي يجلس عليها رئيس المجلس، في حين خُصص الطابقان الآخران للمحررين البرلمانيين والإعلاميين والضيوف والشخصيات العامة وكبار الزوار.
أما مبنى الخدمات، فيتكون من: مسجد ومركز طبي ومحطة إطفاء، ومبنى سجل مدني وشهر عقاري للموظفين، ومبنى تعامل مع الجمهور، وجراج.
وقد شارك في المشروع الضخم حوالي 7 آلاف مهندس وعامل منذ انطلاق العمل به في 2017، مزود بأحدث أنظمة الإنارة والإنذار والحريق والتكييف المركزي، وتم تنفيذه من قبل شركة المقاولون العرب في فترة زمنية وجيزة ليكون بمثابة إنجاز وإعجاز بأيدٍ وخامات مصرية 100%.
وقد أدى فيه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، الثلاثاء 2 أبريل 2024، اليمين الدستورية لفترة رئاسية جديدة، ليكون إعلانًا لتدشين المقر الجديد للمجلس بالعاصمة.
وقال رئيس مجلس النواب الدكتور حنفي جبالي في كلمته خلال الجلسة الخاصة للمجلس بالعاصمة الجديدة بمناسبة أداء السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية اليمين الدستورية لفترة رئاسية جديدة: “إن هذا الْبُنْيَانُ اَلَّذِي اِمْتَزَجَتْ بَيْنَ جُدْرَانِهِ اَلْحَدَاثَةُ وَالتَّطَوُّرُ … بِأَصَالَةِ تَارِيخِ اَلْبَرْلَمَانِ اَلْمِصْرِيِّ اَلْعَرِيقِ … فِي صُورَةٍ جَلِيَّةٍ… جَسَّدَتْ وَاقِعًا طَالَمَا اِبْتَغَيْتُمُوهُ سِيَادتِكُمْ … حِين وَجَّهْتُمْ بِإِنْشَاءِ اَلْعَاصِمَةِ اَلْإِدَارِيَّةِ اَلْجَدِيدَةِ … لِتَكُونَ كِيَانًا مُوَاكِبًا لِلْعَصْرِ … مُتَنَاغِمًا مَعَ اَلْهُوِيَّةِ اَلْوَطَنِيَّةِ اَلْمِصْرِيَّةِ … وَنَابِضًا بِصُورَةٍ حَضَارِيَّةٍ … لمُسْتَقْبَلِ مِصْرَ وَتَطَلُّعَاتِ شَعْبِهَا اَلْعَظِيمِ.”
وحصل مشروع بناء مقر مجلس النواب الجديد على جائزة أفضل مشروع عالمي فئة مشروعات المباني الحكومية لعام 2021 من مجلة ENR الأمريكية، وهذا الاعتراف يعكس الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة المصرية لتحقيق إنجاز معماري على مستوى عالمي في وقت قياسي.
ويمثل مقر مجلس النواب الجديد علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث. فهو ليس مجرد مبنى، بل رمز للتطور والتقدم، ويجسد رؤية الدولة نحو بناء مستقبل مشرق لشعبها.