الدكرورى يكتب عن خطيب الأنبياء شعيب عليه السلام “جزء 5”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
خطيب الأنبياء شعيب عليه السلام “جزء 5”
ونكمل الجزء الخامس مع خطيب الأنبياء شعيب عليه السلام، ولم يكن عمل نبي الله شعيب عليه السلام مقصورا على الدعوة إلى عبادة الله تعالى وإصلاح مجتمعه من المفاسد الأخلاقية والاجتماعية، وإنما كان عليه السلام إلى جانب ذلك يمارس حرفة رعي الأغنام، ومن هذه الحرفة كان ينفق على نفسه وعلى أسرته، فكان يربي الغنم ويرعاها حتى كبر في السن، وعندما كبر بالسن تولت ابنتاه العناية بأغنام أبيهما رعيا وسقاية، حيث لم يكن لهما أخ ذكر يقوم بالعمل من أجل كسب الرزق، وأبوهما شيخ كبير لا يقوى على العمل، ولم تكن الظروف مواتية لاستئجار رجل يقوم به، فأدت الحاجة إلى أن تقوم البنتان بعمل الرعي والسقاية، وذكر القرآن الكريم أن نبي الله موسى عندما فر هاربا من قومه وذهب إلى مدين.
تولى مهمة رعي غنم نبي الله شعيب عليهما السلام لمدة عشر سنوات، وتزوج إحدى ابنتي شعيب عليه السلام، وكانت أسرتا النبيين، موسى وشعيب، عليهما السلام تعتمدان على رعي الغنم في توفير نفقاتهما وسد حاجاتهما من المأكل والمشرب والملبس، وحارب نبي الله شعيب عليه السلام آفة التطفيف والغش التي كانت منتشرة في قومه، وعن علي بن الحسين قال إن أول من عمل المكيال والميزان هو نبي الله شعيب عليه السلام، فقد عمله بيده، وبعث الله شعيبا إلى أهل مدين ولم يكونوا فصيلة شعيب ولا قبيلته التي كان منها، ولكنهم كانوا أمة من الأمم بعث إليهم شعيب، وكان عليهم ملك جبار، ولا يطيقه أحد من ملوك عصره، وكانوا ينقصون المكيال والميزان، ويبخسون الناس أشياءهم مع كفرهم بالله، وتكذيبهم لنبيه وعتوهم.
وكانوا يستوفون إذا اكتالوا لأنفسهم أو وزنوا، فكانوا في سعة من العيش، فأمرهم الملك باحتكار الطعام وإنقاص مكايلهم وموازينهم، ووعظهم شعيب فأرسل إليه الملك وسأله ما تقول فيما صنعت؟ أراضي أنت أم ساخط ؟ فقال شعيب عليه السلام أوحى الله تعالى إليّ أن الملك إذا صنع مثل ما صنعت يقال له ملك فاجر، فكذبه الملك وأخرجه وقومه من مدينته، فسلط الله عليهم الحر والغيم حتى أنضجهم الله، فلبثوا فيه تسعة أيام، وصار ماؤهم جميعا لا يستطيعون شربه، فانطلقوا إلى غيضة لهم فرفع الله لهم سحابة سوداء فاجتمعوا في ظلها، فأرسل الله عليهم نارا منها فأحرقتهم فلم ينجو منهم أحد، وذلك لقوله تعالى “فأخذهم عذاب يوم الظلة” وإنه لما خرج نبي الله موسى عليه السلام من أرض مصر يريد النجاة من كيد فرعون وجنوده، ولم يكن خروجه جُبنا.
لأن الأنبياء يستحيل عليهم الجبن، وتوجّه عليه السلام إلى أرض مدين ماشيا على قدميه بغير زاد ولا دابة يركبها فكان يأكل ورق الشجر وهذا حال أنبياء الله الصبر عند الشدة والمصيبة والبلاء فلا يعترضون ولا يتسخطون على الله ولا يتخلون عن الدعوة إلى الله، وسار موسى عليه السلام إلى مدين وظل يمشي مسيرة ثمانية أيام حتى وصل إلى مدين وقد أتعبه الجوع فجلس تحت ظل شجرة فأبصر امرأتين وكانتا أختين ترعيان الأغنام وتريدان سقي أغنامهما من بئر كبيرة وكان الرعاة يسقون مواشيهم من هذه البئر والأختان تحبسان غنمهما عن الشرب من البئر، ولكن لماذا ذلك؟ وهو لئلا يختلط غنمهما بغنم الآخرين، فأشفق نبي الله موسى عليه السلام عليهما، وسألهما عن سبب تعهدهما لرعاية الغنم بأنفسهما فأخبرتاه بأن أباهما شيخ كبير.
وليس عنده من الأولاد الذكور من يرعى له هذه الأغنام، ثم البئر بعد أن يسقي الرعاة أغنامهم يضعون عليها صخرة كبيرة هذه الصخرة لا يطيق رفعها إلا عشرة رجال أو قيل في رواية أربعون رجل، فماذا كان من موسى عليه السلام؟ فكان منه عليه السلام أن وضع قوة جسمه التي من الله تعالي عليه بها في طاعة ربه، وفي طاعة خالقه، وفي طاعة الله المطلع عليه، ولا تخفى عليه خافية، فرفعها موسى عليه السلام وحده ثم استقَى منها الماء وسقَى لهاتين المرأتين غنمهما وأعاد الحجر مكانه مرة أخري ثم انصرف عليه السلام إلى ظل شجرة وجلس تحتها يدعو الله تعالى ويشكره، فهو يدعو الله عز وجل الذي مَنّ عليه بهذه القوة ويشكره على هذه النعمة العظيمة، وصح عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال ” والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها “