الدكرورى يكتب عن خطيب الأنبياء شعيب عليه السلام “جزء 4”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
خطيب الأنبياء شعيب عليه السلام “جزء 4”
ونكمل الجزء الرابع مع خطيب الأنبياء شعيب عليه السلام، ونجا الله عز وجل أولا نبيه شعيب عليه السلام وأهل الايمان وأخرجهم من هذه القرية فأصاب القرية حر شديد لم يستطع أحد منهم أن يتحمل هذا الحر فوجدوا ظلة ظلة غيمة تظلل مكان فخرج أهل القرية رجالهم ونسائهم وأطفالهم وشيوخهم ليستظلوا بهذ الظلة، فنزلوا تحت هذه الغيمة فإذا بالغيمة تنزل شررا يحرق الناس “فكذبوه” وهذا جزاء تكذيب الانبياء فيقول تعالي ” فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم” ولو تخيلتم النار كيف تنزل والصواعق تضربهم ضربا وتحرقهم حرقا فذهبوا إلى بيوتهم إلى سُكناهم وإذا الارض ترجف من تحتهم “فأخذتهم الرجفة” وتزلزلت الارض من تحتهم فهذا عذاب الله عز وجل إذا نزل أي بيوت مابقيت أي مباني ماصمدت الارض فترجف.
والبيوت تتهدم على رؤوس أهلها ثم أخذتهم الصيحة، ويصور لنا الله عز وجل هذا المشهد فيقول تعالي ” ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة” فهى صيحة قطعت قلوبهم كلهم فلم تبقي منهم فردا وأخذتهم الصيحة فأصبحوا في ديارهم كلهم وهم في ديارهم الذي إختبأ في بيته والذي هرب من رجفة الارض ومن صاعقة الظلة ومن شرارها أخذته الصيحة فيقول تعالي “وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين” ولا ترى في القرية قوم مدين لا ترى إلا الجثث الهامدة لا تسمع فيهم صوتا لا ترى فيهم حركة “كأن لم يغنوا فيها” فأين أسواقهم وأين حركاتهم وأين أصواتهم وأين الناس أين ذهبوا ماذا حصل لهم “كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود” وكما فعل الله عز وجل بقوم ثمود.
وكما فعل الله عز وجل بقوم مدين فلم يُبقي منهم أحدا وبعد أن هلكوا جميعا دُمرت الارض بمن فيها أين الاسواق وأين البيوت وأين الناس وأين الاطفال الذين يلعبون وأين القرى الظاهرة وأين إستكبارهم في الارض فيقول تعالي “كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود” وبعد أن دُمرت الارض رجع نبي الله شعيب عليه السلام إلى قومه ليراهم جثثا هامدة، فإنه رجع ليرى الارض كلها قد دُمرت وليرى الجثث ملقاة على الارض علي اليمين وعلي اليسار فإذا بشعيب يمر على الناس وعلى الديار وعلى الخراب ويكلم الجثث وهي ميتة “فتولى عنهم وقال يا قوم” يكلم أمواتا يُسمعهم الله عز وجل وهم أموات يسمعون كلام نبيهم وهو يحدثهم وهو يقول لهم “قال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم فكيف آسى” لما أحزن على قوم بلغتهم وأديت الامانة.
وذكرتهم سنوات وكانوا يستهزؤون، وكانوا يهددون وكانوا يستكبرون ظنوا أن أموالهم ستمنعهم ظنوا أن قوتهم ستمنعهم من عذاب الله عز وجل لن أحزن عليكم “فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين” دمر قوم مدين جزاء على كفرهم بنبيهم ونجا الله شعيب والذين آمنوا، وقد عاش نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام مدة من الزمن بعد هلاك قومه بعد أن أدى الأمانة وبلغ ما أمره الله بتبليغه، وجاهد في الله حق جهاده، ومات عليه الصلاة والسلام في الأردن ودفن فيها وقبره هناك في وادي يسمى بوادي شعيب، وهو مقام معروف ومشهور هناك، ويقال إنه مات بمكة ومن معه من المؤمنين وقبورهم غربي الكعبة بين دار الندوة ودار بني سهم، والله أعلم، وهكذا فكان نبي الله شعيب عليه السلام.
من الأنبياء الذين ذكرهم القرآن الكريم وأشاد بهم، وكان صاحب رسالة، ونادى بالإصلاح في مجتمعه آنذاك، وكان رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، إذا ذكر عنده شعيب قال ” ذلك خطيب الأنبياء يوم القيامة ” وقد بذل نبي الله شعيب جهده من أجل إخراج قومه أهل مدين من الجهل وعبادة الأصنام، وكذلك نهاهم عن بعض المفاسد الأخلاقية والاجتماعية التي كانت تسود مجتمعه آنذاك، ودعا إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، حتى كبرت سنه، ودق عظمه، ثم غاب عنهم ما شاء الله، ثم عاد إليهم شابا، فدعاهم إلى الله تعالى فقالوا له ما صدقناك شيخا فكيف نصدقك شابا؟ ولم يكن عمل نبي الله شعيب عليه السلام مقصورا على الدعوة إلى عبادة الله تعالى وإصلاح مجتمعه من المفاسد الأخلاقية والاجتماعية، وإنما كان عليه السلام إلى جانب ذلك يمارس حرفة رعي الأغنام.