الدكرورى يكتب عن كلام المصطفي العدنان ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكــــرورى
كلام المصطفي العدنان ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثانى مع كلام المصطفي العدنان، لأن البيان ملحق بالمبين، تابع له ولازم لا ينفك عنه، وبهذا يظهر زيف ما يهرف به المخالفون المنحرفون من أن بيان السنة للقرآن إذا كان متعلقا بالعبادات وأصول الدين كان بيانا مطلقا واجب الاتباع دائما ما دام للمبين قيام، أما إذا كان في شؤون المال والمعاملات فهو بيان تطبيقي روعيت فيه ظروف صدوره، وأعراف عصره، وحال أهله، فكان موقوتا بزمنه وعصره، ينتهي بانتهائه، ويستدل على ذلك بتغيير الظروف والعادات والأعراف، إذ إن بيانه صلى الله عليه وسلم لا يراد منه إلا تحقيق المصلحة العامة، وتوفير الخير والسلام للناس، فإذا ما تغيّر وجه المصلحة وأصبح العمل بالبيان، وبما دل عليه من حكم مؤديا إلى حرج الناس.
وعنتهم فقد انتهى وقت العمل بذلك الحكم، ووجب على الناس أن يجتهدوا في تحقيق وتحرير ما أراده الشارع وهدف إليه، من ملاحظة قيود أو خصوص أو عموم، فكثيرا ما يجيء العام ويراد به خاص، وما يرد الخاص ويقاس عليه غيره، أو يكون من الملحوظ تقييده، وهكذا مما يكون للاجتهاد فيه مجال، وهذا كما يرى لا يصلح دليلا على ترك العمل بالسنة، إذ مؤداه أن العمل بالسنة إنما يترك إذا ما تغير وجه المصلحة وانتفت علة الحكم، وأصبح في بقائه ضرر وعنت بالناس، وفي هذه الحال ينتهي الحكم ولا يكون له بقاء، وفرق بين انتهاء زمن العمل بالحكم، وبين ترك العمل به مع بقائه، وعلى الجملة فليس هذا من قبيل ترك العمل بالسنة، وإنما يعد من قبيل بيانها.
وهذا القول مع ملاحظة ما فيه من تقييد بعض ما جاء من الأحكام مطلقا، ومن تخصيص بعض ما جاء من النصوص عاما، قد يرى فيه الجنوح إلى تحكيم الرأي، واعتباره قاضيا على النص بتخصيصه أو بتقييده أو نحو ذلك، بناء على اجتهاد أساسه ادعاء المصلحة التي يجب أن تكون مصلحة كلية قطعية ضرورية أو حاجية، حسب اختلاف الظروف والأحوال، ولا شك أن ذلك من مزالق الأفهام التي ترجى عندها العصمة، وتطلب فيها من الحكيم الرحمن الهداية، والشطط فيها والركون إليها مهلكة، ويجب أن يكون الرأي فيه عن إجماع من ذوي الضلاعة في الدين العالمين بأصول الشريعة وأسرارها، وأما عن رد الشبهة الثانية، فقد اختلفت الروايات في كتابة السنة على عهده صلى الله عليه وسلم.
فقد روي ما دل على كراهتها، وروي ما دل على إباحتها، وأشهر ما روي دالا على كراهتها ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب عليّ ” وقال همام أحسبه قال” متعمدا فليتبوأ مقعده من النار” وما روي أيضا عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه، قال جهدنا بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن لنا في الكتاب فأبى، وفي رواية يقول استأذنا النبي صلى الله عليه وسلم في الكتابة فلم يأذن، وما روي عن أبي هريرة رضى الله عنه، أنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نكتب الأحاديث فقال “ما هذا الذي تكتبون؟” قلنا “أحاديث نسمعها منك”
فقال صلى الله عليه وسلم “كتاب غير كتاب الله؟ أتدرون ما ضل الأمم قبلكم إلا بما اكتتبوا من الكتب مع كتاب الله تعالى” وأمّا أشهر ما رُوي عن إباحتها فما رواه عبدالله بن عمرو رضى الله عنهما كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا أتكتب كل شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب وفي الرضا؟ فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ بأصبعه إلى فيه، وقال ” اكتب، فوالذي نفسي بيده، ما خرج مني إلا حق” سنن الدارمي، وما روي عن أبي هريرة رضى الله عنهن أنه قال ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر مني حديثا عنه مني إلا ما كان من عبدالله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب”