الدكرورى يكتب عن الحكيم لقمان بن ياعور “جزء 7”
بقلم / محمــــد الدكـــرورى
الحكيم لقمان بن ياعور “جزء 7”
ونكمل الجزء السابع مع الحكيم لقمان بن ياعور، فلما فعلوا ذلك أمسك الله عنهم المطر من السماء ثلاث سنين فيما يزعمون، حتى جهدهم ذلك، وكان الناس في ذلك الزمان إذا نزل بهم بلاء أو جهد، فطلبوا إلى الله الفرج منه، كانت طلبتهم إلى الله عند بيته الحرام بمكة، مسلمهم ومشركهم، فيجتمع بمكة ناس كثير شتى مختلفة أديانهم، وكلهم معظم لمكة يعرف حرمتها ومكانها من الله، وقد قال ابن إسحاق، وكان البيت في ذلك الزمان معروفا مكانه، والحرم قائما فيما يذكرون، وأهل مكة يومئذ العماليق، وإنما سموا العماليق لأن أباهم كان أسمه عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، وكان سيد العماليق إذ ذاك بمكة فيما يزعمون رجلا يقال له معاوية بن بكر.
وكان أبوه حيا في ذلك الزمان ولكنه كان قد كبر، وكان ابنه يرأس قومه، وكان السؤدد والشرف من العماليق فيما يزعمون في أهل ذلك البيت، وكانت أم معاوية بن بكر هى السيده كلهدة ابنة الخيبري، وهو رجل من عاد، فلما قحط المطر عن عاد وجهدوا، قالوا جهزوا منكم وفدا إلى مكة، فليستسقوا لكم، فإنكم قد هلكتم، فبعثوا قيل بن عير، ولقيم بن هزال من هذيل، وعقيل بن ضد بن عاد الأكبر، ومرثد بن سعد بن عفير، وكان مسلما يكتم إسلامه، وجلهمة بن الخيبري، وهو خال معاوية بن بكر أخو أمه، ثم بعثوا لقمان بن عاد بن فلان بن فلان بن ضد بن عاد الأكبر، فانطلق كل رجل من هؤلاء القوم معه رهط من قومه حتى بلغ عدة وفدهم سبعين رجلا.
فلما قدموا مكة، نزلوا على معاوية بن بكر وهو بظاهر مكة خارجا من الحرم فأنزلهم وأكرمهم، وكانوا أخواله وأصهاره، فلما نزل وفد عاد على معاوية بن بكر، أقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان، أى قينتان لمعاوية بن بكر، وكان مسيرهم شهرا ومقامهم شهرا، فلما رأى معاوية بن بكر طول مقامهم وقد بعثهم قومهم يتغوثون بهم من البلاء الذي أصابهم، شق ذلك عليه، فقال هلك أخوالي وأصهاري، هؤلاء مقيمون عندي وهم ضيفي نازلون علي، والله ما أدري كيف أصنع بهم، إن أمرتهم بالخروج إلى ما بعثوا له فيظنوا أنه ضيق مني بمقامهم عندي، وقد هلك من وراءهم من قومهم جهدا وعطشا، أو كما قال، فشكا ذلك من أمرهم إلى قينتيه الجرادتين .
فقالتا قل شعرا نغنيهم به لا يدرون من قاله، لعل ذلك أن يحركهم، فقال معاوية بن بكر حين أشارتا عليه بذلك، ألا يا قيل ويحك قم فهينم، لعل الله يسقينا غماما، فيسقي أرض عاد إن عادا، قد امسوا لا يبينون الكلامان من العطش الشديد فليس نرجو، به الشيخ الكبير ولا الغلاما، وقد كانت نساؤهم بخير، فقد أمست نساؤهم عيامى، وإن الوحش يأتيهم جهارا، ولا يخشى لعادي سهاما، وأنتم ها هنا فيما اشتهيتم، نهاركم وليلكم التماما، فقبح وفدكم من وفد قوم، ولا لقوا التحية والسلاما، فلما قال معاوية ذلك الشعر، غنتهم به الجرادتان، فلما سمع القوم ما غنتا به قال بعضهم لبعض، يا قوم، إنما بعثكم قومكم يتغوثون بكم من هذا البلاء الذي نزل بهم، وقد أبطأتم عليهم.
فادخلوا هذا الحرم واستسقوا لقومكم، فقال لهم مرثد بن سعد بن عفير إنكم والله لا تسقون بدعائكم، ولكن إن أطعتم نبيكم وأنبتم إليه سقيتم، فأظهر إسلامه عند ذلك، فقال لهم جلهمة بن الخيبري، وهو خال معاوية بن بكر حين سمع قوله وعرف أنه قد اتبع دين هود وآمن به، أبا سعد فإنك من قبيل، ذوي كرم وأمك من ثمود، فإنا لا نطيعك ما بقينا، ولسنا فاعلين لما تريد، أتأمرنا لنترك دين رفد، ورمل والصداء مع الصمود، ونترك دين آباء كرام، ذوي رأي ونتبع دين هود، ثم قالوا لمعاوية بن بكر، وأبيه بكر احبسا عنا مرثد بن سعد، فلا يقدمن معنا مكة، فإنه قد اتبع دين هود وترك ديننا، ثم خرجوا إلى مكة يستسقون بها لعاد، فلما ولوا إلى مكة، خرج مرثد بن سعد من منزل معاوية بن بكر.