الدكرورى يكتب عن الحكيم لقمان بن ياعور “جزء 6”
بقلم / محمــــد الدكـــرورى
الحكيم لقمان بن ياعور “جزء 6″
ونكمل الجزء السادس مع الحكيم لقمان بن ياعور، يا بني، إنك منذ نزلت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الأخرى، فدار أنت إليها تسير أقرب من دار أنت عنها تباعد، يا بني، إياك والدَّين، فإنه ذل النهار وهمّ الليل، يا بني، لا يأكل طعامك إلا الأتقياء، وشاور في أمرك الحكماء، يا بني، من كذب ذهب ماء وجهه، ومن ساء خلقه كثر غمه، يا بني، نقل الصخور من مواضعها أيسر من إفهام من لا يفهم، يا بني، إعلم بأن الجهاد ذروة سنام الإسلام فإن أول ما يلفت النظر فى قصة لقمان عليه السلام، هى أنه عاش عمر سبع صقور، فلو علمنا أن الصقر يعيش حتى سبعين عاما، فهذا سيعنى أن لقمان عليه السلام، عاش ربعمائه وتسعون عاما.
ولكنا إذا ما سألنا الصقارون ، لأخبرونا بأن عمر الصقر لا يزيد عن عشرين عاما و فى الحقيقة، فإن المسألة ليست فيها ألغاز، إذ أن عمر الصقر فى الأسر، لا يزيد عادة عن عشرين عاما، أما إن ما كان الصقر طليقا ، فإن عمره بالفعل يطول حتى سبعون عاما، فإذا ما علمنا أن لقمان الحكيم عليه السلام كان صقارا، سنعلم أنه إنما عاش عمر سبع صقور فى الأسر، و يعنى على أقصى تقدير بلغ من العمر مائه وأربعون عاما، و حتى فى هذا العمر والذى يقل كثيرا عن العمر الذى ذكرته كتب السلف، أيضا سيعد لقمان عليه السلام من المعمرين، فحُل لغز عمر لقمان المبالغ فيه، فإذا علمنا أن لقمان عليه السلام قد أدرك نبى الله داود عليه السلام، فى أواخر عمره.
وأن داود عليه السلام، توفى فى نهاية القرن الخامس قبل الميلاد، سيمكننا تقدير تاريخ ولادة لقمان عليه السلام، وهو قبل ذلك التاريخ بنحو مائة، أى أنه عاصر أيضا عدنان، وهو الجد الأكبر للنبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل أن لقمان عليه السلام كان ابن عاد وعاد، هو الأب الأكبر لقوم هود عليهما السلام، و كان عبدا، قيل نجارا و قيل حدادا و قيل راعيا و قيل غير ذلك ، وتنقله فى تلك المهن كلها جائز، و كان آخر ما امتهنه لقمان عليه السلام هى الصقارة، أى صيد الصقور وتدريبها، وقد قيل أنه حين أرسل الله تعالى هود عليه السلام ، كان لقمان من الذين كفروا به، على رجاحة عقله وحكمته، فلما أتى هود عليه السلام بالسحب الثلاث البيضاء والحمراء والسوداء.
كان لقمان فى مكة، يطلب الغوث لقومه من القحط الذى أصابهم، فعن ابن إسحاق، قال ” كانت منازل عاد وجماعتهم حين بعث الله فيهم هودا الأحقاف، قال والأحقاف هى الرمل فيما بين عمان إلى حضرموت باليمن، وكانوا مع ذلك قد فشوا في الأرض كلها، وقهروا أهلها بفضل قوتهم التي آتاهم الله، وكانوا أصحاب أوثان يعبدونها من دون الله، وكان لهم صنم يقال له، صداء، وصنم يقال له صمود، وصنم يقال له الهباء، فبعث الله إليهم هودا، وهو من أوسطهم نسبا وأفضلهم موضعا، فأمرهم أن يوحدوا الله تعالى، ولا يجعلوا معه إلها غيره، وأن يكفوا عن ظلم الناس، ولم يأمرهم فيما يذكر والله أعلم بغير ذلك، فأبوا عليه وكذبوه، وقالوا من أشد منا قوة ؟
واتبعه منهم ناس وهم يسير، يكتمون إيمانهم، وكان ممن آمن به وصدقه رجل من عاد يقال له مرثد بن سعد بن عفير، وكان يكتم إيمانه، فلما عتوا على الله وكذبوا نبيهم، وأكثروا في الأرض الفساد ، وتجبروا وبنوا بكل ريع آية عبثا بغير نفع، وكلمهم هود فقال أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون، وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون، قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء، أي ما هذا الذي جئتنا به إلا جنون أصابك به بعض آلهتنا هذه التي تعيب، قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا، ثم لا تنظرون إلى قوله صراط مستقيم.