الدكرورى يكتب عن الحكيم لقمان بن ياعور “جزء 5”
بقلم / محمــــد الدكـــرورى
الحكيم لقمان بن ياعور “جزء 5″
ونكمل الجزء الخامس مع الحكيم لقمان بن ياعور، قال أمهلني يومي هذا، قال لك ذلك، فأمسى كئيبا حزينا، إذ جاءه لقمان وقد حمل حزمة حطب على ظهره فسلم على سيده ثم وضع ما معه ورجع إلى سيده، وكان سيده إذا رآه عبث به فيسمع منه الكلمة الحكيمة فيعجب منه، فلما جلس إليه قال لسيده ما لي أراك كئيبا حزينا؟ فأعرض عنه فقال له الثانية مثل ذلك، فأعرض عنه ثم قال له الثالثة مثل ذلك فأعرض عنه، فقال له أخبرني فلعل لك عندي فرجا؟ فقص عليه القصة، فقال له لقمان لا تغتم فإن لك عندي فرجا، قال وما هو؟ قال إذا أتاك الرجل فقال لك اشرب ما في النهر، فقل له أشرب ما بين ضفتي النهر أو المد؟ فإنه سيقول لك اشرب ما بين الضفتين.
فإذا قال لك ذلك فقل له احبس عني المد حتى أشرب ما بين الضفتين، فإنه لا يستطيع أن يحبس عنك المد، وتكون قد خرجت مما ضمنت له، فعرف سيده أنه قد صدق فطابت نفسه، فأعتقه، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى، في كتابه الكريم بعض القصص والشخصيات، وكان ذلك بهدف أخذ العبرة والفائدة منها، وكان من أولئك الشخصيات التي وثق الله سبحانه وتعالى شيئا من أخبارها هو لقمان بن ياعور، وهو شخص اتصف بالحكمة حتى لقب لقمان الحكيم، والحكيم في اللغة هو من تصدر أعماله وأقواله عن روية ورأي سديد، وتعرف الحكمة بأنها معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، وقد اتصف لقمان بالحكمة، حتى استدل النبي صلى الله عليه وسلم.
يوما في أحد أقواله، ونقله إلى الصحابة رضي الله عنهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم، ” إن لقمان الحكيم كان يقول إن الله عز وجل، إذا استودع شيئا حفظه ” ولقد ظهرت الحكمة في حياة لقمان الحكيم، وصفاته، وأقواله، حتى وثق شيء منها في القرآن الكريم في سورة حملت اسمه أيضا، هي سورة لقمان، والحكمة اصطلاحا، وهى العلم المتصف بالأحكام، المشتمل على معرفة الله تعالى، المصحوب بتهذيب النفس، ونفاذ البصيرة، وتحقيق الحق، والعمل به، والصد عن اتباع الباطل والهوى، والحكيم اسم يطلق على من يملك هذه الصفات، فالحكمة هي الطريق إلى معرفة الله تعالى، وهي صفة الأنبياء والصالحين، وتؤدي إلى الإصابة في القول والعمل.
وتعمل على نفاذ البصيرة، ونقاء القلب، وتزكية الروح، وتهذيب النفس، وقيل إن لقمان أنه لقمان بن عنقاء بن سدون، وهو عبد من عباد الله الصالحين، وكانت من وصايا لقمان الحكيم لإبنه، يا بني، لا تأكل شبعا على شبع، فإنك إن تلقه للكلب خير من أن تأكله، يا بني، لا تكن حلوا فتبلع، ولا مرا فتلفظ، يا بني، لا تؤخر التوبة فأن الموت يأتي بغتة، يا بني، اتق الله، ولا تر الناس أنك تخشى الله ليكرموك بذلك وقلبك فاجر، يا بني، ما ندمت على الصمت قط، وإن كان الكلام من الفضة كان السكوت من الذهب، يا بني، اعتزل الشر كيما يعتزلك، فإن الشر للشر خلق، يا بني، ليكن لك علو الهمة في طلب الجنة والعزم للشهادة في سبيل الله، يا بني، اختر المجالس على عينك.
فإذا رأيت المجلس يُذكر الله عز وجل فيه فاجلس معهم، فإنك إن تك عالما ينفعك علمك وإن تك عييا يعلموك، وان يطلع الله عز وجل، إليهم برحمة تصبك معهم، يا بني، انصب رايتك راية الحق ورباطك في سبيل الله خير من خير في الدنيا، يا بني، انزل نفسك منزلة من لا حاجة له بك ولا بد لك منه، يا بني، إن الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك، يا بني، جالس العلماء وزاحمهم بركبتك، فإن الله تعالى، ليحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء، يا بني، امتنع مما يخرج من فيك، فإن ما سكت سالم وإنما ينبغي لك من القول ما ينفعك، يا بني، إنك منذ نزلت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الأخرى.